تجاوزت الساعة الواحدة صباحا بقليل. إزداد شعوري بالضيق. تطارد جفوني النوم منذ زمن دون جدوى. حاولت الإستغراق في القراءة لكن أبى الملل إلاّ أن يتسلّل رويدا رويدا إلى نفسي. ألقيت الكتاب جانبا وحاولت استدعاء آلهة النوم في صلاة صامتة لا تزعج سكون هذا الليل الذي يخيّم على المدينة. هذه المدينة التي خرج أناسها جماعات وفرادى للإستمتاع ببضعة أيام من صيف افتقدوه طويلا. عيل صبري فقفزت من فراشي وغادرت غرفة النوم. وبعد المرور على الثلاجة طلبا لبعض الماء البارد، جلست إلى رفيق دربي وأنيسي الدائم. بعد بضعة نقرات على لوحة المفاتيح، أخذت أقفز من صفحة إلى أخرى ألتهم آخر الأخبار وأطلب بعضا من المعرفة. فجأة انفتحت نافذة الشات الصغيرة. وكانت عبرات على الخط، على الجانب الآخر من المحيط.
عبرات: أهلا يا عزيزتي!
تانيت: صباح الخير عزيزتي عبرات.
عبرات: صباحك أحلى يا صديقتي.
عبرات: مازلت ساهرة إلى حدّ الآن؟
تانيت: تخاصمت مع النوم هذا المساء!
تانيت: ما الجديد لديك؟
عبرات: لا شيء يذكر... لدينا فقط وضعية "سهم مكسور" من الدرجة الثالثة!
أتبعت ذلك بسمايلي يقهقه ملء فيه! تذكّرت علّيسة صاحبة الأفكار الجهنّمية ومرّ بخاطري للحظة فيلم "السّهم المكسور" لجون وُو. تداعت مشاهد ذلك الفيلم إلى مخيّلتي تباعا. توقّفت عند صورة الماجور ديكنز والكابتن رايلي وهما يعتمران بزّة القتال ويجلسان في غرفة قيادة مريحة لأغلى قاذفة شبح في التاريخ. قمرة قيادة مليئة بالأزرار وتعجّ بالشاشات الملوّنة ربّما لتبرير الملياري دولار الذين صُرفا على تلك القطعة التكنولوجيّة الفريدة! في جوف تلك الليلة المُحتجب قمرها، يطير ذلك الجسم الأسود الداكن الذي قذف في مرحلة ما من تاريخ الإنسانيّة، جبال تورا بورا بحمم قدم بها مباشرة من قاعدة وايتمان في ميسّوري خلال رحلة العشرين ساعة. يضغط الكابتن رايلي على زر فتختفي الطائرة من شاشات الرادار. ويصرخ جندي أسود في قاعدة تحت الأرض: "لقد شغّلوا نظام الإختفاء، سأطلق نظام تتبّع الشفرة الحراريّة لمتابعتهم." وبضغطة زرّ يتلألأ من جديد على شاشة دائريّة أمامه، مثلث أخضر يأخذ في التحرّك ببطء فوق خريطة للوسط الغربي لبلد العم سام. ذكّرني زرّ الإختفاء ذاك بأيّام الدراسة الثانوية حيث كلّما جلست إلى طاولة في القسم، كثيرا ما صادفت صورة زرّ وقد كتب تحته "اضغط على هذا الزرّ ليختفي الأستاذ!". ولكن شتّان ما بين أزرارنا وأزرارهم: هم يضغطون على أزرارهم فتختفي شعوب وحضارات بكاملها ونحن نضغط على أزرارنا فيختفي معلّمونا وعلمائنا لنزداد بذلك غباءً وجهلا ورداءة!
"وضعيّة السّهم المكسور" رمز اخترعته علّيسة للدلالة على "حملة غباء يوربوعستانيّة" والدرجة الثالثة للدلالة على أنّ الغباء بلغ حدًّا مقلقا فعلا ويكاد يغرق الزرع والضّرع وكل شيء! حملة الغباء لهذه الأيام تميّزت بإسهال تدويني لم أر له مثيلا إلاّ عند الكائن القزوردي. لكن الفرق بين الإسهالين هو أنّ الإسهال القزوردي يقذف في وجهك طوفانا من اللّغة الخشبية المنمّقة وسيل من الأرقام والتقارير المعدّة سلفا. ولن يضرّك ذلك فإن شئت قبلت ما يقدّمونه لك وإن شئت أرسلته إلى حاوية الفضلات. بينما إسهال الأغبياء هو شلاّل من القذارة الفكرية والرداءة والعفن الإيديولوجي الذي يسمّم الجوّ ويسبّب بطول الوقت حجابا حاجزا بينك وبين التفكير السليم. فكر مسموم ودنيء كذلك الغبار الذي ينتج عن تفجيرات الديناميت في مقاطع الحجارة. غبار خانق، ثقيل، قذر ونتن يخنق كل شيء.
الكائن القزوردي لا يسبّك ولا يتعرّض لك ولا يُرهبك، ذلك أمر يتركه لزملائه (...). بل يحاول استغباءك وتخديرك وضمّك إليه، باختصار يحاول احتواءك. بينما الكائن الغبيّ يسبّك في اليوم الأوّل بأقذع الشتائم، يتجاهلك في اليوم الثاني، يسخر منك في اليوم الموالي وبعد أسبوع يجمع لك نفرا من قطّاع الطرق ويقعد لك كل مرصد! فرق آخر بين الكائن القزوردي والكائن الغبي: إن كان الأوّل إنسانا مبرمجا كالربوت على أفعال وأقوال معدّة مسبّقا فإنّ الثاني كائن معطّل الإدراك، حقن عقله بفكر مخَدّر ودوغما تدفعه إلى التصرّف عكس العقل والمنطق. ذلك شبيه تماما بالخلايا السرطانية التي تهاجم جسما سليما فتخرّبه. ينتهي عمل الكائن الأوّل بنفاد بطريّاته -من تقارير ومقالات صادرة عن مصانع الخشب البلنز- بينما يظلّ الكائن الثاني نشطا دوما -وإن مرّ أحيانا بحالات كُمون عابرة- بل يتكاثر كالقمل ويمعن في مصّ دماء الكائنات التي تصادفه بكل وقاحة وشماتة!
الكائن القزوردي لا يسبّك ولا يتعرّض لك ولا يُرهبك، ذلك أمر يتركه لزملائه (...). بل يحاول استغباءك وتخديرك وضمّك إليه، باختصار يحاول احتواءك. بينما الكائن الغبيّ يسبّك في اليوم الأوّل بأقذع الشتائم، يتجاهلك في اليوم الثاني، يسخر منك في اليوم الموالي وبعد أسبوع يجمع لك نفرا من قطّاع الطرق ويقعد لك كل مرصد! فرق آخر بين الكائن القزوردي والكائن الغبي: إن كان الأوّل إنسانا مبرمجا كالربوت على أفعال وأقوال معدّة مسبّقا فإنّ الثاني كائن معطّل الإدراك، حقن عقله بفكر مخَدّر ودوغما تدفعه إلى التصرّف عكس العقل والمنطق. ذلك شبيه تماما بالخلايا السرطانية التي تهاجم جسما سليما فتخرّبه. ينتهي عمل الكائن الأوّل بنفاد بطريّاته -من تقارير ومقالات صادرة عن مصانع الخشب البلنز- بينما يظلّ الكائن الثاني نشطا دوما -وإن مرّ أحيانا بحالات كُمون عابرة- بل يتكاثر كالقمل ويمعن في مصّ دماء الكائنات التي تصادفه بكل وقاحة وشماتة!
أظلّ أتساءل باستمرار عن ماهية الشفرة الجينيّة لهذه الكائنات الطفيليّة التي خرّبت كل المنابر التي ارتادتها. أريد فقط أن أفهم كيف يصبح الإنسان العاقل يفكّر عكس الطبيعة؟ أريد أن أجد السبب وراء كل هذا الهطل والعطل والغباء؟ هل هو الكبت أم الإنعزالية أم التهميش أم الشعور بانعدام القيمة أم هي كل هذه الأسباب مجتمعة؟ أريد أن أفهم كيف تسأل أحدهم "كم الساعة الآن؟" فيجيبك بسبّ ربّ المسلمين جميعا ويعقّب بشتمهم فردا فردا؟ لا أفهم فعلا! ربّما هو منطق كائن قادم من الفضاء الخارجي له ذكاء متقدّم يتجاوز ذكاء البشر ولم يستطع الإنسان الأرضي بعد، الوصول إلى الوسائل والآليات العلمية الكافية لفهم وتفكيك منطقه! ولا أفهم أيضا كيف يمكن ليربوع أن يشتكي من وصمه بالأسلاموفوبيا وهو أصلا نكرة لم يتعرّض له أحد قطّ من قبل؟! والأغرب أنّ بقية اليرابيع يهلّون جحافل متوالية للإمضاء والبصم! يمضون ويبصمون بكل بلاهة، على ماذا؟ على كلام أشبه بالقيء! ما هذا المنطق الغريب الذي تتعامل به هذه الكائنات! قرأت الكثير حول مملكة الحيوان ولكنّني لم أكن أعتقد أنّ لليرابيع حياة إجتماعية عامرة ونشطة بهذا الشكل، خصوصا خلال موسم التزاوج! لا أدري كيف يمكن ليربوع أن يتساءل حول مدى شرعيّة استعمال وصف الإسلاموفوبيا في يربوعستان؟ أتفهّم طبعا عجزه عن التحليل والفهم لسبب بسيط: دماغ ذلك اليربوع أصغر من حبّة كرز بريّ! يربوع آخر يتكلّم عن نظرية المؤامرة وآخر عن التخوين وثالث عن الصهيونيّة والإمبرياليّة! لم أكن أعلم أنّ اليرابيع تفهم في السياسة. لابدّ لهم إذن من مجلس اليرابيع المتّحدة بجانب دولة يربوعستان - نيتشه وحزب الديك! كم هي غريبة هذه الحياة ومعجزة في الآن نفسه! غريبة لأنّ مفاجأتها لا تتوقف ومعجزة لأنها عشوائيّة، غير متوقّعة. وكم هي عظيمة هذه الطبيعة! وما هذه اليرابيع إلاّ دليل على عظمتها وسيادتها!
من غرائب الطبيعة في يربوعستان - الغباء والحماقة أنّ اليرابيع يبكون ويتباكون ويولولون دون أن يكونوا قد ضربوا على مؤخّراتهم. يقال والله أعلم، أنّ ذلك يعود إلى تقليد قديم اعتمده حزب الديك منذ نشأته. ويقال أيضا أنّ أصل ذلك التقليد قد ظهر في مملكة إسرائيل الكبرى منذ عقود. وبقطع النظر عن الحقيقة التاريخّية وراء هذا السلوك المميّز لليرابيع في سلطنة الغباء الديماغوجيّة فإن الأهم هو تفسير ذلك السلوك وتحليله نفسيّا. يثبت علماء الطبيعة أنّ بعض فصائل الحيوان تعمد إلى إصدار أصوات مميّزة عند تعرّضها للخطر أو تسلّل فرد من خارج السرب أو القطيع إليها. ولأنّ اليرابيع كائنات إجتماعيّة جدًّا -حسب نتائج بحوث بعض علماء دراسة الأحياء في الفضاء الإفتراضي- فإنّ سلوك البكاء والولولة [وتمزيق شعر الرأس واستحضار أولياء نيتشه الصالحين] يدخل في إطار الخطة الدفاعيّة التي يعتمدها حيوان اليربوع للدفاع عن نفسه في المحافل الإفتراضيّة ضدّ أيّ غريب يقترب من القطيع. وتقول دراسات مركز بحوث السكيزوفرينيا الهيكلية بمدينة الواق واق الجنوبية أنّ سلوك اليرابيع في الفصول الحارة (التي تقترن بموسم التزاوج والتحلّل من ورقة التوت لدى هذه الكائنات البريئة) يتجّه عموما إلى العدوانيّة الفرديّة والجماعيّة. وتعرف هذه النظرية باسم نظريّة البعد النفسي الخامس. لذلك تنصح وكالة حماية اليرابيع بعدم الإقتراب من هذه الكائنات خلال كامل أيام الأسبوع وفي رأس السنة الإداريّة وعاشوراء والسانت فالنتين وهالّوين إلاّ عند الضرورة القصوى. وفي هذه الحالة، ينصح الشخص بارتداء قبقاب سميك (من الأحسن من خشب الزيتون) وذلك لأنّ القبقاب لديه خاصيّة ردعيّة ضدّ السلوك العدواني لليرابيع! والسّلام ختام.
0 تعليقات