ثمة يقين يبدو لي، وبخاصة إثر كل حادثة هجوم ضد الإسلام ورسوله العظيم، بأن تنامي الإسلاموفوبيا تعد ضرورة ملحة لأكثر من تيار أيديولوجي، وسلاحا ناجعا للعديد من التيارات السياسية العالمية. ويكفي للتدليل على ذلك الرجوع إلى الإحصائيات المتعلقة بأعداد المهاجرين لأوروبا من بلاد إسلامية، حيث بلغ عدد المهاجرين من شمال أفريقيا إلى فرنسا 2.4 مليون في العام 1975، مقارنة بأقل من 100 ألف شخص في العام 1946، كما قفز عدد المهاجرين الأتراك لأوروبا من 715 ألفا العام 1974 إلى 3.5 مليون في 2005.
رافق ذلك تضاعف عدد العاطلين عن العمل بأوروبا إلى أكثر من 160 % في الفترة من 1978-1982. ولم تلبث أحداث الحادي عشر من سبتمبر المشؤومة أن منحت هاجس الخوف على الهوية الأوروبية من موجات الأسلمة المتصاعدة بُعدا آخر فأصبح المسلم “عدوا إرهابيا”!! بعدما كان مجرد متلصص يدخل الحُرمة الأوروبية دون طريقة شرعية ويُخشى من تأثير نمط حياته على موروثات الحداثة وتركة العلمانية.
وفي تطور لاحق، نشأ ما يمكن تسميته “الابتزاز بالإسلاموفوبيا”، والذي يصور الإسلام باعتباره قالبا جامدا غير قابل للدراسة أو النقاش، ودينا مغايراً له وضع خاص فوق حرية الرأي والتعبير. ومع أخذ هذه الظاهرة في التنامي انتشرت الكتابات بشأنها، وبخاصة بعدما وضع الفيلسوف الفرنسي دوفيليه كتابه المعنون بـ“مساجد رواس”.
وبالرغم من ذلك، ظل المصطلح غائما في عمومه رغم شيوعه وتداوله، إلى أن قامت مؤسسة The Runnymede Trust، بأول محاولة جادة لتقعيده سنة 1997 حيث ربطت المفهوم وضبطته وفق ثمانية معايير محددة.
أول هذه المعايير، القول بأن الإسلام ليس إلا جسدا أحاديا جامدا قلما يتأثر بالتغيير. وثانيها، اعتباره آخر لا تربطه بالثقافات الأخرى قواسم مشتركة أو قيم متبادلة يتأثر بها أو يؤثر فيها. وثالثها، النظر للإسلام بدونية واعتباره دينا بربريا بدائيا جنسي النزعة ولا يمُت للعقلانية بصلة. أما رابعها، فيتمثل في الربط العضوي بين العنف والإسلام واعتباره مفطورا على الإرهاب ومنتشرا بحد السيف.
خامس هذه المعايير، النظر للإسلام باعتباره أيديولوجية سياسية تروم تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على حساب الآخرين. ويتمثل سادسها في الرفض القاطع لأية انتقادات بشأن الغرب تصدر من إسلاميين. أما سابعها، فيتمثل في توظيف هذا العداء لتبرير منظومة الممارسات العنصرية تجاه المسلمين وإقصائهم بعيدا عن حدود المجتمعات الغربية. ثامن هذه المعايير يتمثل في التسليم بالعداء للإسلام وللمسلمين واعتباره أمرا عاديا ولا غضاضة فيه!!.
وفي الواقع، كانت هذه المحاولة بمثابة نقطة البدء وشرارة انطلاق للعديد من التقارير والمتابعات الحقوقية، والتي أخذت تندد بالإسلاموفوبيا معتبرة إياها ضربا من التمييز العنصري وهدرا لحقوق وكيانات المسلمين في أوروبا. ففي العام 2005 أصدر مجلس أوروبا تقريره الخاص حول “الإسلاموفوبيا وتأثيرها على الشباب”، معرفا إياها بالقول: إن الإسلاموفوبيا هي التخوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام ومعتنقيه، سواء تم التعبير عن ذلك وفق الممارسات اليومية التمييزية، أو تطور نحو مزيد من أشكاله وممارساته الأكثر عنفا وضرواة.
وفي التقرير الذي أصدره المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب، في ديسمبر 2006 بعنوان “التمييز العنصري والتخوف من الإسلام”، نجد عرضا واضحا لحجم التمييزات والاضطهادات التي تُمارس باتجاه المسلمين في كافة تفاصيل الحياة اليومية وفي مجالات العمل والتعليم والمسكن، كما لو أنها تشمل الفضاء العام برمته. حيث يبدأ التمييز بتوجيه الإهانات الشفهية، مرورا بالاعتداءات الجسدية، وليس انتهاءً بانتهاك حرمة الأماكن المقدسة ونبش القبور!!.
وفي الإطار ذاته، حذر العديد من القادة الدينيين الغربيين من خطورة تنامي الإسلاموفوبيا وشيطنة الإسلام، معتبرين إياها ضربا من الاستعمار الجديد. حيث صرح القس ميشال لولونج، أحد أهم القساوسة الكاثوليك في أوروبا كلها، أن ثمة جهات غربية تعمل على شيطنة الإسلام وتشويه صورته، مؤكدا أن هذا التوجه بمثابة استعمار ثقافي جديد.
وفي مقابل ذلك، اتهم جورج جينزفاين، السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان، المسلمين بأنهم يخططون لأسلمة أوروبا، وأن الفاتيكان قلق بشأن مكانة الإسلام المتنامية هناك. وفي كل الأحوال، يجب عدم التقليل من تنامي الظاهرة، كما يجب أيضا عدم التهويل بشأنها وإنما يتوجب علينا وضعها في سياقاتها المعرفية والتاريخية.
فمن ناحية، انتشر الإسلام أو الاهتمام به على الأقل بصورة ملحوظة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن ناحية ثانية علينا أن نتحمل المسؤولية فيما يتعلق بالصورة المغلوطة لدى الغرب عن الإسلام ودون جلد للذات، وأن نتحرر نسبيا من الإيمان الزائد عن الحد بفكرة المؤامرة واتخاذ وضعية الضحية ووضع مسؤولية إخفاقات سياساتنا الدينية والفكرية على الآخرين، الأمر الذي لايليق بالإسلام ولا بحضارته، وأن نكون أوفياء لقيم القرآن أولا دون أن يكون أكثر همنا استحقاق رضا الآخرين.
وفي اعتقادي، أن هذا الطرح يمثل موقفا وسطا بين ثنائيات متعددة من مثل: جلد الذات والتماهي مع الآخر، اتخاذ وضعية الضحية والإيمان بالمؤامرة، البخس بقناعاتنا وقيمنا ومبادئنا الإسلامية والترويج لها بهدف نيل رضا الآخرين...إلخ. ومن ثمة يرتبط نبذنا للعنف والإرهاب بمدى جدارتنا واستحقاقنا لدين الإسلام وتوافقنا مع مجمل أوامره ونواهيه، كما ترتبط سماحتنا وانفتاحنا على الآخرين بمدى وفائنا لقيم هذا الدين وبقناعتنا الشخصية بمنظومة الأخلاق الإسلامية وليس بقصد أن تنال ممارساتنا استحسان الغير.
كما يتوجب علينا البدء في استتباب نظام سياسي يوقف هذا الرقاص المجنون المنطلق من الفوضى إلى الاستبداد، ومن الاستبداد إلى الفوضى، ليستقر في حالة وسط تمثل نقطة تلاق لكل من قيمنا الإسلامية من جهة، وآليات الديمقراطية المعاصرة من جهة ثانية، وفي هذا أبلغ رد عملي على دعوات النيل من إسلامنا الحنيف.. ورسولنا الكريم.
د. محمد حلمي عبدالوهاب - كاتب من مصر
رافق ذلك تضاعف عدد العاطلين عن العمل بأوروبا إلى أكثر من 160 % في الفترة من 1978-1982. ولم تلبث أحداث الحادي عشر من سبتمبر المشؤومة أن منحت هاجس الخوف على الهوية الأوروبية من موجات الأسلمة المتصاعدة بُعدا آخر فأصبح المسلم “عدوا إرهابيا”!! بعدما كان مجرد متلصص يدخل الحُرمة الأوروبية دون طريقة شرعية ويُخشى من تأثير نمط حياته على موروثات الحداثة وتركة العلمانية.
وفي تطور لاحق، نشأ ما يمكن تسميته “الابتزاز بالإسلاموفوبيا”، والذي يصور الإسلام باعتباره قالبا جامدا غير قابل للدراسة أو النقاش، ودينا مغايراً له وضع خاص فوق حرية الرأي والتعبير. ومع أخذ هذه الظاهرة في التنامي انتشرت الكتابات بشأنها، وبخاصة بعدما وضع الفيلسوف الفرنسي دوفيليه كتابه المعنون بـ“مساجد رواس”.
وبالرغم من ذلك، ظل المصطلح غائما في عمومه رغم شيوعه وتداوله، إلى أن قامت مؤسسة The Runnymede Trust، بأول محاولة جادة لتقعيده سنة 1997 حيث ربطت المفهوم وضبطته وفق ثمانية معايير محددة.
أول هذه المعايير، القول بأن الإسلام ليس إلا جسدا أحاديا جامدا قلما يتأثر بالتغيير. وثانيها، اعتباره آخر لا تربطه بالثقافات الأخرى قواسم مشتركة أو قيم متبادلة يتأثر بها أو يؤثر فيها. وثالثها، النظر للإسلام بدونية واعتباره دينا بربريا بدائيا جنسي النزعة ولا يمُت للعقلانية بصلة. أما رابعها، فيتمثل في الربط العضوي بين العنف والإسلام واعتباره مفطورا على الإرهاب ومنتشرا بحد السيف.
خامس هذه المعايير، النظر للإسلام باعتباره أيديولوجية سياسية تروم تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على حساب الآخرين. ويتمثل سادسها في الرفض القاطع لأية انتقادات بشأن الغرب تصدر من إسلاميين. أما سابعها، فيتمثل في توظيف هذا العداء لتبرير منظومة الممارسات العنصرية تجاه المسلمين وإقصائهم بعيدا عن حدود المجتمعات الغربية. ثامن هذه المعايير يتمثل في التسليم بالعداء للإسلام وللمسلمين واعتباره أمرا عاديا ولا غضاضة فيه!!.
وفي الواقع، كانت هذه المحاولة بمثابة نقطة البدء وشرارة انطلاق للعديد من التقارير والمتابعات الحقوقية، والتي أخذت تندد بالإسلاموفوبيا معتبرة إياها ضربا من التمييز العنصري وهدرا لحقوق وكيانات المسلمين في أوروبا. ففي العام 2005 أصدر مجلس أوروبا تقريره الخاص حول “الإسلاموفوبيا وتأثيرها على الشباب”، معرفا إياها بالقول: إن الإسلاموفوبيا هي التخوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام ومعتنقيه، سواء تم التعبير عن ذلك وفق الممارسات اليومية التمييزية، أو تطور نحو مزيد من أشكاله وممارساته الأكثر عنفا وضرواة.
وفي التقرير الذي أصدره المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب، في ديسمبر 2006 بعنوان “التمييز العنصري والتخوف من الإسلام”، نجد عرضا واضحا لحجم التمييزات والاضطهادات التي تُمارس باتجاه المسلمين في كافة تفاصيل الحياة اليومية وفي مجالات العمل والتعليم والمسكن، كما لو أنها تشمل الفضاء العام برمته. حيث يبدأ التمييز بتوجيه الإهانات الشفهية، مرورا بالاعتداءات الجسدية، وليس انتهاءً بانتهاك حرمة الأماكن المقدسة ونبش القبور!!.
وفي الإطار ذاته، حذر العديد من القادة الدينيين الغربيين من خطورة تنامي الإسلاموفوبيا وشيطنة الإسلام، معتبرين إياها ضربا من الاستعمار الجديد. حيث صرح القس ميشال لولونج، أحد أهم القساوسة الكاثوليك في أوروبا كلها، أن ثمة جهات غربية تعمل على شيطنة الإسلام وتشويه صورته، مؤكدا أن هذا التوجه بمثابة استعمار ثقافي جديد.
وفي مقابل ذلك، اتهم جورج جينزفاين، السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان، المسلمين بأنهم يخططون لأسلمة أوروبا، وأن الفاتيكان قلق بشأن مكانة الإسلام المتنامية هناك. وفي كل الأحوال، يجب عدم التقليل من تنامي الظاهرة، كما يجب أيضا عدم التهويل بشأنها وإنما يتوجب علينا وضعها في سياقاتها المعرفية والتاريخية.
فمن ناحية، انتشر الإسلام أو الاهتمام به على الأقل بصورة ملحوظة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن ناحية ثانية علينا أن نتحمل المسؤولية فيما يتعلق بالصورة المغلوطة لدى الغرب عن الإسلام ودون جلد للذات، وأن نتحرر نسبيا من الإيمان الزائد عن الحد بفكرة المؤامرة واتخاذ وضعية الضحية ووضع مسؤولية إخفاقات سياساتنا الدينية والفكرية على الآخرين، الأمر الذي لايليق بالإسلام ولا بحضارته، وأن نكون أوفياء لقيم القرآن أولا دون أن يكون أكثر همنا استحقاق رضا الآخرين.
وفي اعتقادي، أن هذا الطرح يمثل موقفا وسطا بين ثنائيات متعددة من مثل: جلد الذات والتماهي مع الآخر، اتخاذ وضعية الضحية والإيمان بالمؤامرة، البخس بقناعاتنا وقيمنا ومبادئنا الإسلامية والترويج لها بهدف نيل رضا الآخرين...إلخ. ومن ثمة يرتبط نبذنا للعنف والإرهاب بمدى جدارتنا واستحقاقنا لدين الإسلام وتوافقنا مع مجمل أوامره ونواهيه، كما ترتبط سماحتنا وانفتاحنا على الآخرين بمدى وفائنا لقيم هذا الدين وبقناعتنا الشخصية بمنظومة الأخلاق الإسلامية وليس بقصد أن تنال ممارساتنا استحسان الغير.
كما يتوجب علينا البدء في استتباب نظام سياسي يوقف هذا الرقاص المجنون المنطلق من الفوضى إلى الاستبداد، ومن الاستبداد إلى الفوضى، ليستقر في حالة وسط تمثل نقطة تلاق لكل من قيمنا الإسلامية من جهة، وآليات الديمقراطية المعاصرة من جهة ثانية، وفي هذا أبلغ رد عملي على دعوات النيل من إسلامنا الحنيف.. ورسولنا الكريم.
د. محمد حلمي عبدالوهاب - كاتب من مصر
0 تعليقات