ما الذي يجمع إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة في الصحافة الدنماركية وفيلم النائب الهولندي الذي شبه الإسلام بالنازية ورسوله الكريم بهتلر وخطاب الصحافي المصري المغمور الذي عمده البابا بنديكت السادس عشر وقد ذهب فيه الى إطلاق كل الصفات القدحية على الدين الإسلامي؟

تزامنت هذه الأحداث، التي يمكن أن نضيف اليها بعض المؤشرات الأخرى العديدة التي تبين حجم وخطورة الإسلاموفوبيا الجديدة في الغرب التي لم يعد من المقبول السكوت عنها، وإن كانت ردة الفعل الحالية في ساحاتنا ضعيفة وغير فعالة ولا تلائم واقع وخصوصيات المجتمعات الغربية.

ولنبادر بالإشارة الى ان ما نعنيه بالاسلاموفوبيا ليس نزعة العداء للإسلام اوالتهجم عليه ونقده، فليس في الأمر جديد، ومن المعروف أن نقد العقائد والديانات أمر مألوف في الغرب تكفله التشريعات والقوانين، وليس خاصا بالإسلام. ولذا فان المعركة ليس هذا مجالها، ولقد تعود المسلمون منذ العصور الوسيطة على التحاور الفكري السلمي مع الاتهامات وشبه الانتقادات التي وجهت لهم، من دون اللجوء للعنف والإرهاب (خصص الباحث التونسي المعروف عبد المجيد الشرفي كتابا جامعا لهذه الحوارات في العصور الوسيطة). والواقع أن الأعمال الاستفزازية الأخيرة لا تدخل في مجال الفكر أو الرأي، بل تحمل بصمة عنصرية مقيتة، يتعين إدراجها في باب الدعوة للكراهية والتمييز التي هي من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يعاقب عليها القانون في البلدان الديمقراطية الحديثة.

ولنأخذ تعريف الإسلاموفوبيا الذي قدمته المنظمة البريطانية غير الحكومية «رانيمد ترست» (Runnymede Trust) وهو متوفر في موقعها الإلكتروني، حيث تعتبرها النظرة الى الإسلام بصفته كتلة أحادية لا تقبل التغيير، مقطوعة عن الثقافات الأخرى، تقوم على أفكار همجية لا عقلانية، بدائية وذكورية، تفضي الى العنف والعدوان والإرهاب. فإذا كانت النزعة العدائية للسامية مرفوضة، يعاقب عليها كجريمة في الغرب، فذلك أنها لا تستهدف اليهودية كنسق عقدي وقيمي في ذاته، بل معتنقي هذه الديانة كأمة وثقافة. والأمر ذاته يصدق على الإسلاموفوبيا في تصورها الإقصائي التمييزي الذي يتعرض للمسلمين بالذم والتشويه فقط لكونهم ينتسبون لهذا الدين.

والفكرة الأساسية التي يتخفى بها الإسلاموفوبيون هي رصد ما اعتبروه خصوصية الإسلام في مقابل الديانات الأخرى، مما عكسته كتابات أخيرة، من بينها كتاب المؤرخ والكاتب الإسرائيلي إيلي برناوي «الديانات القاتلة» وكتاب الكاتب التونسي حمادي الرديسى «الاستثناء الإسلامي» وخطاب البابا المشهور الذي توقفنا عنده سابقا. فحسب هذا التصور، اذا كانت اليهودية ديانة لا تطمح للانتشار والتوسع وتقوم على عقد أخلاقي بين الله والشعب الاسرائيلي وكانت المسيحية ديانة الحب والتجسد الإنساني، فإن الإسلام هو دين العنف والتعصب، يقوم لاهوتيا وتشريعيا على الإقصاء والعدوانية.

لا يحتاج هذا الرأي الى دحض، فمن السهل الرجوع الى النصوص التي تمجد العنف والتقتيل الجماعي في العهدين القديم والحديث، ومن السهل أيضا الرجوع الى التجربة التاريخية لإثبات دور الكنيسة في إبادة الثقافات غير المسيحية وهي التي لم تعترف بحرية الوعي إلا في الستينات من القرن العشرين. كما أن إثبات القيم الإنسانية المتسامحة والمنفتحة في النصوص الإسلامية المقدسة وتجربة المسلمين التاريخية امر سهل، لا يحتاج لجهد فكري كبير. وليس الدفاع النظري عن الإسلام هو موضوعنا اليوم، بل نكتفي بالإشارة الى ان الخلل الفكري المشين في الإسلاموفوبيا الجديدة هو رفض النظر الى الإسلام بالمنهج الذي ينظر به الى الديانات الأخرى في العلوم الإنسانية وفي الفكر الغربي المعاصر. فبغض النظر عن كون الإسلام ينتمي لنفس التقليد الكتابي، فانه كغيره من الديانات يسمه التنوع والتعددية لاختلاف مشارب وخلفيات وتجارب المنتسبين اليه، ومن الخطأ اختزاله في آراء ومواقف ومسلكيات جزئية لا تلزم هذه الأمة الواسعة التي تنتشر في أركان العالم بأسره.

كان المستشرق الفرنسي الكبير جاك بيرك الذي تضلع أكثر من غيره في الثقافة الإسلامية وترجم معاني القرآن الكريم يقول (وهو الذي توفي قبيل أحداث 11 سبتمبر) لقد آن للفكر الغربي ان يدمج الإسلام في نسقه المرجعي، حتى لا يظل دوما «الأخ المنبوذ» و«المجهول الأكبر»، مؤكدا ان هذا الفكر سيغنم الكثير بانفتاحه الايجابي على هذا الدين العظيم والحضارة الرائعة بدل الأحكام المسبقة الموروثة حولهما.


الهوامش:
رانيميد تراست (Runnymede Trust): مؤسّسة بريطانيّة مستقلّة تبحث في أصول الإثنيّات، التعدّدية الثقافيّة وما يتعلّق بهما من عنصريّة وإقصاء وغيره. لمعرفة المزيد انقر هنا وهنا. للإطّلاع على مقدّمة تقرير هذه المؤسّسة حول الإسلاموفوبيا في بريطانيا، انقر هنا.
جاك بيرك (Jacques Berque): مستشرق فرنسي معروف. للمزيد انقر هنا.

كتبت هذا النص: عبرات، ألم و أمل في الخميس، جوان 04، 2009

2 تعليقات

  1. Amel يقول:
  2. En lisant ton blog, je vois que tu ne peux pas être dans la 1ère catégorie que j'ai décrit sur mon blog (réponse fait à mahéva sur "Est-ce que je suis islamophobe").

    Et je suis absolument d'accord avec toi sur ta vision de l'islamophobie ;)

    Bravo et Bonne continuation

     
  3. مرحبا سيّدة آمال:
    أنا سعيدة بالخلاصة التي توصّلت إليها بنفسك ولكنّني أيضا أعتب عليك في إقحام مدوّنتنا -ولو عن غير قصد- في سجال لم نبدأه ولم نشارك فيه من بعيد أو قريب وذلك في تعليق لك على مدوّنة "كبير النّبارة".

    سيدتي،
    مدوّنة النضال ضد الطابور الخامس لها ما يبرّر وجودها وما تكتبه يعبّر عن أراء الكثيرين الذين ليس لهم الشجاعة لقول ما يضمرون، لأسباب عدّة. نحن لا نهتمّ بالأشخاص بقدر ما نهتمّ بالأفكار. لا نعرف أحدا ولا يعرفنا أحد ولا نسعى لغير إيصال صوت نؤمن بأنّه وسطيّ يطمح للإعتدال والموضوعية.
    وأحد الأسباب الذي دعانا للصمت الكامل (رغم كل المحاولات الواضحة لجرّنا إلى آتّون هذا الصراع المتأجّج) هو أنّ أهداف مساهمتنا في هذا الفضاء الإفتراضي هي تماما عكس هذا الكمّ الهائل من العفن والرداءة وسوء الأخلاق الذي نراه اليوم. وناس بكري يقولو "أهل العقول في راحة".

    أخيرا، أريد أن أعبّر لك عن إعجابي بعفويّتك وتلقائيّتك في عرض أرائك ومواقفك ومساندتي لك فيما تكتبين بقطع النظر عن مدى اختلافنا في الرأي. وأدعوك أيضا بما أنّك تكتبين باسمك الحقيقي، إلى الإنتباه والحذر فهذا الفضاء بقدر رحابته لا يرحم أحدا. أرجو أن تكوني قد فهمت قصدي كما يجب.
    مرّة أخرى، مرحبا بك سيّدتي وشكرا لردّك ولمرورك.

     

الحرب الإفتراضية على الإسلاموفوبيا

وكالة أنباء الحرافيش


حرب الحرافيش على شهر رمضان المعظّم: حرفوش برلين الملقّب ب"الفنان" يشوّه مقالا مسروقا ليدعم ما يقول عنه أنّ "فريضة الصيام تزيد في ارتكاب الجرائم لدى المسلمين" | محبوبة غايت: الحرفوش الجنّي يعلن النصر من طرف واحد على من وصفهم بالأطراف الظلامية وأعداء الحياة | جبهة الإعتلال: إختلاق أخبار تقول بإمكانية العودة إلى نظام تعدد الزوجات في بلد الياسمين | حملة الحرافيش على الحجاب: الحرفوش الغبيّ ينشر رسالة منقولة عن أحد رموز الصف الثاني للطابور الخامس تحذّر من انتشار الحجاب على الشواطىء ويطالب بمنع ما وصفته الرسالة بزيّ البؤس والحزن والموت ورمز الفراغ والقبح والتوحّش | مواقف الحرافيش: الحرفوش الفيّاش يصدر بيانا يدين فيه من أسماهم بجماعة "عمّار الأخضر" ويطالبهم بالإعتراف ببطولاته وأمجاده في الدفاع عمّا وصفه بحرّية التعبير ويذكر أنّ هذا البيان قد لاقى صدى واسعا لدى الحرافيش وجبهة الإعتلال حيث أعلن عدد كبير منهم دعمهم لما جاء في البيان ولحرّية الفيّاش الفكرية | إعلانات متفرّقة - شراء: أعلن الحرفوش الهالك عن صدور كتاب له ودعى كل المدوّنين إلى شرائه عبر النت | إعلانات متفرّقة - كراء: أعلن حرفوش برلين عن بتّة عموميّة لكراء عقار على ملكه كان يستغلّه كمصبّ للفضلات | شؤون المرأة: أصدر الحرفوش الغبيّ بيانا موقّع من طرف جماعة غير معروفة يعلن فيه كفره وتمرّده على ما أسماه ب"دولة الذكور" | أدب الحرافيش: حرفوش التراث يصدر معلّقة بذيئة في هجاء "مدوّني البترودولار"

أرشيف الموقع

مدوّنتنا على الفايسبوك

زوّارنا