في سلسلة "مختارات من الصحافة العالمية"، ننقل لكم بعض المقالات من الصحافة العالمية، التي تتناسب مع أهداف هذه المدوّنة. لن نقتصر على رأي أحادي وإنّما سنعمل قدر الإمكان، على نقل كلّ الأراء بأمانة. في هذه التدوينة، اخترنا لكم مقالين من صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
المقال الأول: "ضميري وضمير العالم ليس نظيفا" (جدعون ليفي، هآرتس 18 يناير 2009)
نقلا عن القدس العربي ل 19 يناير 2009، العدد 6103، الصفحة التاسعة.ضميري وضمير العالم ليس نظيفابولي العزيز، شكرا لك على رسالتك المفتوحة لي وكلماتك الطيبة التي نشرتها في هآرتس 1/16. كتبت انك تنشر هذه الرسالة من خلال « موقف نابع من الاحترام » – وانا ايضا احترم جدا اعمالك الادبية الرائعة، ولكن وبدرجة اقل بكثير، لشدة الاسف، مواقفك السياسية الحالية. شعلة من النار سقطت في شجرة ارز من امثالك. شعلة كبيرة وفظيعة التهمت كل جزء خيّر في عمودنا الفقري الاخلاقي.
انت ايضا، ايها الكاتب الذي يحظى بالشعبية، سقطت ضحية للموجة العكرة التي تغرقنا الان بطوفانها، هذه الموجة اﻟﻤﺨدرة، التي تنشر الحماقة وتغسل كل الادمغة. انت في الواقع تبرر الحرب الاكثر وحشية التي شنتها اسرائيل في اي وقت من الاوقات، وبذلك تصبح شريكاً لعملية الغش والزيف التي تدّعي ان « الاحتلال في غزة قد انتهى »، وكذلك تبرير القتل الجماعي بذريعة « انهم يستغلون الاطفال ». انت تطلق حكما متساويا على شعب اعزل عاجز يفتقر للدولة والجيش – والذي يمتلك حركة اصولية تقاتل بوسائل مرفوضة من اجل هدف عادل وهو انهاء الاحتلال – وبين دولة عظمى اقليمية تعتبر نفسها ديمقراطية وانسانية، ولكنها ظهرت في الواقع كدولة احتلالية قاسية ووحشية. باعتباري اسرائيليا لا يمكنني ان اشجب قادتهم، في الوقت الذي تتلطخ فيها ايادينا بدمائهم الى هذه الدرجة، وانا ايضا لا ارغب في اطلاق حكم متشابه مثلك علينا وعليهم.
سكان غزة لم يحظوا ابدا « بقطعة ارض خاصة بهم » كما تدعي. خرجنا من غزة بسبب احتياجاتنا ومصالحنا وقمنا بحبسهم. عزلناهم عن العالم وعن الضفة المحتلة، لم نسمح باقامة ميناء ومطار. نحن نتحكم بالسجل السكاني، والعملة المتداولة هي عملتنا، اما الجيش فلا حاجة للحديث عنه، وهذا ما تسميه انت « انتهى الاحتلال »؟ منعناهم من مصادر الرزق، وفرضنا مقاطعة وحصارا طوال عامين – وهذا ما تسميه انت «طرد المحتلين من ارضهم »؟ الاحتلال في غزة يبدل صورته وشكله فقط، جدار بدلاً من المستوطنة، وسجانون من الخارج بدلا من السجانين من الداخل.
لا يا بولي، انا لا اعرف « جيدا »، كما تقول، اننا لا ننوي قتل الاطفال. عندما يجتاحون غزة بالدبابات، والمدافع والطائرات وهي منطقة مكتظة جدا، ليس من الممكن عدم قتل الاطفال. انا ادرك ان ضميرك نظيف، بفضل ذرائع الدعاية الاسرائيلية، ولكن ضميري وضمير اغلبية العالم – ليس نظيفا. الامور لا تقاس بنتائجها، وانما بالنوايا، وهي نوايا مثيرة للجزع. « لو كنت تهتم فعلا بقتل الاطفال » كتبت لي، « لتفهمت العملية الحربية الحالية ». حتى في اسوأ اوصافك الادبية، وهي ليست بالكثيرة، لم تكن لتنجح في الفرار من هذا الالتواء الاخلاقي المعوج: تبرير قتل الاطفال الاجرامي من منطلق الحرص على مصيرهم. « هو يكتب عن الاطفال مرة اخرى » قلت لنفسك بالتأكيد، في اخر الاسبوع، عندما كتبت عن قتل الاطفال مرة اخرى. اجل يا بولي، يتوجب ان نكتب عن ذلك وان نصرخ ضد ذلك، لان هذا يحدث باسمك واسمي.
هذه الحرب في نظرك، « الطريقة الوحيدة التي تؤثرعليهم » حتى ان تجاهلنا طبيعة ملاحظتك المتعالية، فقد كنت اتوقع من كاتب مرموق مثلك أكثر من ذلك. كنت اتوقع من كاتب محترم مثلك ان يعرف تاريخ معارك التحرر الوطنية: هي لا تقمع بالقوة. مع كل القوة التدميرية التي استخدمناها في هذه الحرب، انا لا اراهم « يتأثرون »: صواريخ القسام ما زالت تطلق. هم والعالم فهموا امرا آخر: ان اسرائيل هي دولة عنيفة وخطيرة، ومنفلتة بلا كوابح. فهل تريد العيش في دولة هذه سمعتها؟ دولة تتفاخر بالقول بان « رب البيت قد جن جنونه »؟ انا لا ارغب في ذلك.
لقد حرصت دائما على سلامتي، كما تكتب، لانني كنت اتجول « في اماكن معادية الى هذا الحد ». هذه الاماكن اقل عدائية مما يبدو لك، عندما يأتون اليهم مسلحين ليس بالسلاح وانما بالرغبة في الاصغاء. توجهت اليهم ليس من اجل « جلب معاناة الطرف الاخر وطرحها »، وانما حتى اصف الافعال التي نرتكبها بأيدينا. هذه كانت دائما الركيزة، الاسرائيلية جدا لعملي.
اخيرا انت تطلب مني ان احافظ على « الرسالة الاخلاقية ». انا لا اسعى للحفاظ على صورتي، وانما على وجه هذه الدولة العزيزة على كلينا بدرجة متساوية.
بود، رغم كل شيء.جدعون ليفي، هآرتس 18 يناير 2009
المقال الثاني: "انقاذ مصر" (تسفي برئيل، هآرتس 16 يناير 2009)
نقلا عن القدس العربي ل 18/17 يناير 2009، العدد 6102، الصفحة التاسعة.النار التي وعد عمر سليمان حماس بها تحرق مصر الآن أيضا« انت ستدفع ثمنا باهظا اذا لم تأتِ الى لقاء المصالحة »، حذر عمر سليمان، رئيس اﻟﻤﺨابرات المصرية، خالد مشعل في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. مشعل لم يتأثر. وفد حماس لم يصل الى اللقاء الذي بادر اليه حسني مبارك والنار التي وعد بها سليمان حماس تحرق الان مصر ايضا.
انقاذ مصر
الرئيس مبارك علق في مشكلة، كان حذر اسرائيل منها ايضا. ثلاث مرات صدت مصر محاولات اسرائيلية لالحاق غزة بها. الان يصاب جنودها على الحدود مع غزة، اراضيها الاقليمية في سيناء مهددة بغزو فلسطيني، شوارع القاهرة تهدد بالانفجار، النظام المصري يتعرض للهجوم من المعارضة - الدينية واليسارية على حد سواء - ومبارك يبتعد عن تحقيق تطلعه لنقل الحكم الى ابنه جمال دون أزمات زائدة. البادرات الطيبة المصرية تجاه غزة تعتبر خفيفة القيمة، مقابل القتل والدمار الهائلين في القطاع وحيال وصم اسم مصر كمتعاونة مع اسرائيل في فرض الاغلاق على غزة.
الحربان الاخيرتان، في لبنان وفي غزة تثيران الشك في قدرة الدول الكبرى والهامة مثل مصر او السعودية على حل أزمات اقليمية فقط بفضل كونها دولا قيادية. مصر او السعودية لم تنجحا في حل الازمة في لبنان، التي اندلعت قبل الحرب وتعاظمت بعدها، وفشلتا في محاولاتهما عقد مصالحة داخلية فلسطينية، منع الحرب في غزة، اقناع سورية بالتعاون معهما في الضغط على حماس او على حزب الله وصياغة خطة عمل عربية متفق عليها. واذا ما استجيب لدعوة قطر بعقد مؤتمر قمة عربية او حتى اجتماع لوزراء الخارجية، وهي الدعوة التي تعارضها السعودية ومصر، فان من شأن هذا أن يسجل الشرخ النهائي في الوحدة العربية الاسطورية. محاولة عرض الادارة السياسية للازمة في غزة وكأنها لا تزال بيد مصرية فقط، او على الاقل عربية، تلقت هذا الاسبوع ضربة واحدة. في لقاء ممثلي حماس في بداية الاسبوع في القاهرة حضر أيضا مهمت دفتالو، المستشار السياسي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، والذي نسج بكلتي يديه الحوار بين اسرائيل وسورية.كتلة جديدةمصر اعلنت ان تركيا تحضر اللقاءات فقط ولكنها ليست شريكا فاعلا. وليد معلم، وزير الخارجية السوري، سارع الى مناقضة الايضاح المصري واعلن بان تركيا، سورية وفرنسا (نسي ان يذكر قطر) تنسق بينها المساعي لاحلال انهاء للازمة.
هل حضرت تركيا في القاهرة كي تضمن الا تظلم حماس، كي تنقل الى سورية - التي لا تجري علاقات حوار مع مصر - آخر التطورات عن المحادثات او كمندوبة عن كتلة شرق أوسطية جديدة تضم ايران ايضا، وتتنافس مع الكتلة التقليدية التي لعبت فيها دور النجم مصر، السعودية، الاردن ودول الخليج؟
«مصر تقف الان وحدها ليس فقط حيال حماس، بل ضد معظم العالم العربي والاسلامي. فقدت قوتها لان تفرض الامور او حتى لتنسيقها»، جاء في موقع انترنت للاخوان المسلمين في مصر. موقع ديني متطرف يحمل اسم « انقاذ مصر » يصف مبارك كمن « يداه ملطختان بدماء المصريين والفلسطينيين».
كما أن مصر ترى كيف ان دولا كانت متعلقة بها وتعمل حسب تعليماتها تقطع نفسها عن الدائرة التقليدية وتنطلق في حملة مستقلة. مثال على ذلك هو ايران، التي كانت في هذه الحرب بين القلائل الذين امتنعوا عن انتقاد حماس. الاردن ايضا ترك المتظاهرين يخرجون الى الشوارع، رئيس حكومته تحدث عن « اعادة نظر للعلاقات بين الاردن واسرائيل » وهو لا يزال لم يسمح بعودة سفيره الى تل أبيب. قطر، التي حظيت بمكانة سياسية هامة في اعقاب نجاحها في حل الازمة اللبنانية، تحاول الان المساعدة في المساعي في ايجاد حل في غزة لا يستوي بالضرورة مع موقف سورية.
يتبين أيضا أن المدلول السياسي من مدرسة الولايات المتحدة واسرائيل ليس دقيقا. في أعقاب الحرب في غزة من الصعب رسم خط يفصل بين الدول « المعتدلة » والدول « المتطرفة ». ففي أي جانب من الخط توجد مثلا الاردن وتركيا؟ واحدة تدير قصة غرام مع حماس ولكنها تحافظ جيدا على الحدود بينها وبين اسرائيل، واخرى تشتم اسرائيل ولكنها تتوسط بينها وبين سورية. وما هي مكانة قطر، صديقة سورية، التي مع ذلك تواصل الابقاء في اراضيها على ممثلية اسرائيلية وعلى القاعدة الامريكية الاكبر في الشرق الاوسط؟ماذا عن قطر؟لمساعي مبارك للتوسط بين اسرائيل وحماس توجد، بالتالي، أهمية اكبر بكثير من مسألة اذا كانت هذه ستؤدي الى وقف النار. هذه فرصة مبارك لان يعيد الى مصر قدرتها على أن تقرر السياسة في الشرق الاوسط، اخضاع المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين تحت رعاية مصرية بدلا من رعاية سورية ايرانية، موضعة مصر كمرساة مركزية استعدادا لتسلم باراك اوباما منصب الرئاسة وعلى نفس القدر من الأهمية: تهدئة المعارضة الداخلية استعدادا لتغيير الحكم في المستقبل.
هذه الاهداف كانت مسلما بها حتى قبل اشهر معدودة. ولكن عندما يبدأ اوباما بالتلميح بنيته تغيير سياسة الولايات المتحدة بالنسبة للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني وحين تكون ايران مرشحة جدية للحوار مع الولايات المتحدة وتكون سورية كفيلة بان تدفع للبيت الابيض ثمنا كبيرا في شكل حوار مع اسرائيل، فان مصر العجوز مطالبة بان تقف في منافسة لم تعتد عليها.تسفي برئيل، هآرتس 16 يناير 2009
تنويه: للأسف لم أستطع الوصول لمقال المدعو "بولي" الذي يردّ عليه جدعون ليفي في المقال الأوّل وكان بودّي لو كان بالإمكان عرض وجهة نظره هو الآخر... فلو قُدّر لأحد القرّاء الكرام الوصول لهذا المقال، الرّجاء أن يوافينا بنسخة منه. شكرا للجميع.
عليسة ممكن فمة مشكل صغير في الترجمة متاع القدس العربي عن الأصل خاصة اسم "بولي" يبدو أنو غير دقيق
على كل هاي روابط للنسخة الانجليزية متاع الرسالة المفتوحة و الرد
http://www.haaretz.com/hasen/spages/1055977.html
http://www.haaretz.com/hasen/spages/1056269.html
شكرا جزيلا أخ طارق للروابط...
لحقيقة حاولت البحث سابقا على موقع هآرتس لكن باعتبار أنو منجد عربي/عبري موش كافي باش نتعلم لغة العلم والديمقراطية ههه... ياخي تخليت على الفكرة وغادرت الموقع وآنا متحسّرة على جهلي للغة "إفتح يا علم أبوابك، إفتح يا ديمقراطية أبوابك... نحن الأغبياء!" ههه
شكرا ليك وان شاء الله سأقوم بتحيين التدوينة وسيحاول الفريق ترجمة المقالات باش توصل المعلومة...