لمّا التقى الكثيرون في البلوغوسفير على اختلاف خلفياتهم الفكرية على وجوب إدانة الاحتلال والكفر بالصهيونية وشجب البربرية الإسرائيلية، لم يبق لأحباء إسرائيل والمدافعين عنها أيّ مبرّرات ليقدّموها سوى أن يستنجدوا بنصوص أزلام الصهيونية العالميّة من حجم وطراز وفاء سلطان. ولما وجدوا أن تلك الكتابات لم تعد تقنع أحدا وكشفت عمالة وغايات كتّابها بالبرهان القاطع، تفتّقت عقولهم السّقيمة على طريقة اشتهر "المدوّنون الوطنيون" باستعمالها: تلبيس الحقّ بالباطل وتزيين ذلك بقوالب جاهزة خشبيّة الطابع برّاقة اللون. فلعلّ كلام الحقّ الذي يُراد به باطل لا ريب فيه، قد ينفع في أن يغطّي عورة انحيازهم لأعداء الوطن الكبير بقوميّاته وأديانه المختلفة.
ها قد عادوا إلى تلوين الخطاب -حسب المرحلة- والنفخ في تلال الرّمل لمنع العيون من الوقوف على غايات خطابهم وتهافت نظريّاتهم التي لم تقدر على الصمود أمام كلّ البراهين التي قدّمها خصومهم. هذه البراهين التي قالوا عنها "أدلة متهافتة من نوع أنقر هنا" وردّوا عليها بمزيد من التحقير والاستغباء وقلة الحياء. انتقل هؤلاء فجأة ودون مقدّمات من الدفاع عن وجود إسرائيل وشرعيتها وبربريتها وصواب احتلالها لأرض "الأغبياء" وحقّها في سفك دمائهم ودماء أطفالهم - مشاريع القنابل البشرية، إلى الدعوة للحوار والحديث عن مناهضة الاستبداد والدفاع عن الحرّية والعدالة والحثّ على الخوض في قضايانا ومشاكلنا الحقيقية! (انظر التعليق الثالث على تدوينة براستوس هنا)
الآن والآن فقط تفطّن "مستر إنه مجرد هجوم" و"السّيد حرب على الغباء" و"النبيل اللي يفهملها برشة" و"البرجوازي النابغة" و"الإقطاعي مكتشف وحامل الحقيقة الكاملة" إلى أنّه لدينا قضايا وطنية تستحقّ الخوض فيها! الآن والآن فقط تفطّن إلى أنّه تحكمنا ديكتاتوريات تتاجر بقضايانا وتبيع شعوب
نا بأبخس الأثمان! الآن والآن فقط تفطّن إلى أنّنا نفتقد للحرّية والديمقراطية وفي حاجة ماسّة إليهما! فجأة وبقدرة اللاّت والعزّى ومناة الكبرى أصبح مسيلمة آخر زمن يرى -ورؤيا اللئيم شهوة- أنّ الحرّية والديمقراطية والتقدّم هي معركتنا الأساسية وأنّ تحرير فلسطين هي قضية الفلسطينيين ولا تهم أحدا غيرهم... فأين كنت لمّا سقط شباب مناطق محرومة برصاص الدولة التي تدعوها لحماية أمنها القومي من خطر الإسلام؟ أين كنت لمّا سُجن من سُجن وطُورد من طُورد ونُفي من نُفي؟ أين كنت لمّا حُجبت مواقع الانترنيت وفُلتر منها كل صوت "مستقو بالأجنبي عدوّ للوطن"؟ أين كنت لمّا أضحت أخبار الفساد تُبثّ على الفضائيات وأصبحت سمعة البلد الذي تدافع عنه بضرب أركان هويّته، مجلبة لسخرية الشامت وشفقة الصامت؟ لِمَا لا نجد في كل ما كتبته على مدى سنوات ولو مقالا واحدا يُناصر قضيّة واحدة "حقيقيّة" في البلد الذي تقول بأنّك تحبّه وتهتمّ بشأنه؟ أعلم أنّ الإجابة جاهزة لديك: لكلّ مدوّن الحرّية في أن يختار المواضيع التي يكتب فيها!
ألا فلتعلم يا "أحدب نوتردام" أنّ الحرّية لا تفرّق بين مؤمن وملحد أو ذكر وأنثى أو أبيض وأسود أو حتى أحمر. ومن يناضل من أجل الحرّية يجب أن يُطالب بها لغيره قبل نفسه. ولتعلم يا أيّها الرّاكب على الموجة بأن الحرّية تستدعي أوّلا وبالذات المسؤولية وأنّ لكل حرّية حدود تقف عند بداية حرّية الآخرين وبناءً عليه فالممارسة الصحيحة للحرّية تمرّ وجوبا عبر معرفة حدودها واحترام الآخرين وحرّياتهم. وما برهنت عليه "سيد مضادّ للغباء" في مدوّنتك "المبارك
ة من لدن اللاّت والعزّى في هذا العصر أو بالأحرى الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل" هي عدم إحترامك لمعتقدات مليار ونصف من البشر وتحقيرك لأسلوب تفكير ربع البشرية بمثقّفيهم وجهلتهم، وتجنّيك المجاني على حرّية الآخرين في المعتقد وحقّهم في الاختلاف وطبعك لكلّ من خالفك بطابع الغباء والجهل والسلفيّة والاخوانيّة مع كلّ ما يحمل ذلك من تطرّف وخلط وتعميم وإسقاطات ومغالطات وترّهات أنت أعلم بمن نظّر لها قبلك. ولتعلم وحزب الديك الذي يساندك بالإسراع للتصويت على كتاباتك الشاذّة دون أن يكون لأغلبهم شجاعة المواجهة الفكرية الحقيقية، أنّ محاولاتك بالتخفّي وراء رداء النّضال من أجل الحرّية مكشوفة، ببساطة لأنّك من أبرع وأدهى من ينظّر ويؤسّس -في البلوغوسفير التونسي- لفكر استبدادي وشمولي -بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى- مقابل تماما لما ينظّر له أصحاب اللّحى والمتدثّرين برداء الدين لتحقيق غايات سياسيّة حقيرة. فاترك حجة الدفاع عن الحرية لأنها ليست من حقّك وكما يقول أبناء الخضراء "اللّي متغطّي بمتاع الناس عريان!".
أما حديثك عن العدالة والديمقراطية فهو فعلا يسبّب الغثيان. فعن أيّة عدالة وديمقراطية تتحدث وأنت تُنكر على أكثر من تسعين في المائة من مواطنيك حقّهم في اعتقاد ما يشاؤون وتكتب مناشدا بشكل ضمني أولياء الأمر إلقاء كل هؤلاء في البحر لأنّهم يهددون بمعتقداتهم الأمن القومي! فأي منطق أعوج هذا الذي تريد به إثبات أشياء لا وجود لها... ستكون فعلا في منتهى الغباء لو أنّك اعتقدت ولو للحظة أنّ من تناشدهم قد يصدّقون إفرازات عقليتك الفاشية المريضة وإن كان يناسبهم انتشار أمثال فكر
ك الاستئصالي الإقصائي بكل المقاييس. أما حديثك عن الأنظمة الديكتاتورية والقضايا الوطنية الحقيقية التي وجب أن نخوض فيها قبل أن نلتفت لما يحدث آلاف الأميال خارج حدودنا فليس سوى مزايدة رخيصة تريد بها إسكات من اتهمك بالتحيّز للصهيونية لا أكثر ولا أقل. فأنت أكثر العارفين بأن حربك المقدسة ضد ما تسميه "الغباء" تصب في مصلحة هذه الأنظمة وتشرع لمزيد من الاستبداد والظلم بضرب معتقدات الناس على أساس أنها تتنزّل ضرورة ضمن أجندا سياسية إخوانية تريد طالبان وطنية وخلافة إسلامية رجعية وهلمّ جرّ من الدعاية الفارغة، وتهدّد بالتالي الأمن القومي والسلم الأهلي! أليس حضرتك من أطلق فتواه الشهيرة في "موجبات حماية الأمن القومي من الإسلام"؟ (ستكون لي عودة مستفيضة لهذه الفتوى الثورية قريبا)
أخير وليس آخرا، كنت ولا أزال أعتقد أن الدول العربية عموما (ولو بدرجات مختلفة) وتونس خصوصا قد أُخذت رهينة يتخاصم حولها تيّار
ان راديكاليان من أخطر ما يكون: المتطرّفين "الإسلاميين"، والحقيقة ليس لهم من الإسلام شيء، المتدثّرين بالدين لأغراض سياسية، والمتطرّفين "العلمانيين"، والحقيقة ليس لهم من العلمانية شيء، المتدثّرين بالأجندات الغربية. هذين التيّارين صنيعة ومصدر للإستبداد في الآن نفسه. وستكون لي عودة لهذا الموضوع.

ملاحظة عارضة: أصبح مسيلمة على ما يبدو، يخشى ذكر مصادره بعد فضيحة شفاف الشرق الأوسط (هنا). وفي آخر ما كتب (انظر الصورة أسفله) نقل حرفيا كلام لعادل إمام من موقع العربية (المقال الأصلي هنا) دون ذكر المصدر. هل تخاف من ذكر العربية التي تساهم الولايات المتحدة في جزء هام من ميزانيتها بعد أن فشلت "الحرّة" في ليّ ذراع "الحصيرة/الحضيرة"، عفوا الجزيرة؟


تحياتي لكل من يحمل هموم تخلّفنا في داخله... (فالإحساس هو بداية الإدراك والإدراك هو جوهر الوعي...)

كتبت هذا النص: تانيت، عبق التاريخ في الثلاثاء، جانفي 27، 2009

1 Responses to الرّسم بالكلمات.. أو هكذا خُيّل لمُسيلمة العصر!

  1. midou 1984 يقول:
  2. bravo vous avez dis ce que la plupart des tunisiens veulent dire à ceux qui, et j'en suis sûr, ne sont pas des tunisiens et n'aiment pas la tunisie. bravo et continuez.

     

الحرب الإفتراضية على الإسلاموفوبيا

وكالة أنباء الحرافيش


حرب الحرافيش على شهر رمضان المعظّم: حرفوش برلين الملقّب ب"الفنان" يشوّه مقالا مسروقا ليدعم ما يقول عنه أنّ "فريضة الصيام تزيد في ارتكاب الجرائم لدى المسلمين" | محبوبة غايت: الحرفوش الجنّي يعلن النصر من طرف واحد على من وصفهم بالأطراف الظلامية وأعداء الحياة | جبهة الإعتلال: إختلاق أخبار تقول بإمكانية العودة إلى نظام تعدد الزوجات في بلد الياسمين | حملة الحرافيش على الحجاب: الحرفوش الغبيّ ينشر رسالة منقولة عن أحد رموز الصف الثاني للطابور الخامس تحذّر من انتشار الحجاب على الشواطىء ويطالب بمنع ما وصفته الرسالة بزيّ البؤس والحزن والموت ورمز الفراغ والقبح والتوحّش | مواقف الحرافيش: الحرفوش الفيّاش يصدر بيانا يدين فيه من أسماهم بجماعة "عمّار الأخضر" ويطالبهم بالإعتراف ببطولاته وأمجاده في الدفاع عمّا وصفه بحرّية التعبير ويذكر أنّ هذا البيان قد لاقى صدى واسعا لدى الحرافيش وجبهة الإعتلال حيث أعلن عدد كبير منهم دعمهم لما جاء في البيان ولحرّية الفيّاش الفكرية | إعلانات متفرّقة - شراء: أعلن الحرفوش الهالك عن صدور كتاب له ودعى كل المدوّنين إلى شرائه عبر النت | إعلانات متفرّقة - كراء: أعلن حرفوش برلين عن بتّة عموميّة لكراء عقار على ملكه كان يستغلّه كمصبّ للفضلات | شؤون المرأة: أصدر الحرفوش الغبيّ بيانا موقّع من طرف جماعة غير معروفة يعلن فيه كفره وتمرّده على ما أسماه ب"دولة الذكور" | أدب الحرافيش: حرفوش التراث يصدر معلّقة بذيئة في هجاء "مدوّني البترودولار"

أرشيف الموقع

مدوّنتنا على الفايسبوك

زوّارنا