منذ 2007 وأنا أتابع فضاء المدونات التونسي بشكل خاص والعربي عموما. لاحظت خلال هذه المدة تعدد أطياف المدونين، واختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية وتعدد آفاقهم. ورغم أن هذا الأمر يبدو طبيعيا وصحيا بقطع النظر عن نوعية الأفكار والإيديولوجيات المعتمدة في الفضاء التدويني فإن نوعية خاصة جدا من المدونين تنظر -بشدة فوق الظاء- لاتجاهات فكرية في منتهى الخطورة لم تظهر بسهولة لأنها تغلف نظرياتها بإيديولوجيات أخرى أكثر قبولا من قبل الجمهور كالعلمانية والماركسية واللادينية وغيرها، كما تمكنت من اللعب على مبادئ إنسانية أساسية كحرية التعبير والاختلاف وحرية المعتقد وغيرها لتغليف السم بالعسل وكسب الشرعية لأفكارهم. لكن مصير هذه الخطط الماكرة أن تسقط عن عورتها ورقة التوت لما يحدث طارئ يجبر هؤلاء على اتخاذ موقف واضح يدعم جهة ما خلال صراع ما. ذلك ما حدث تحديدا خلال العدوان الصهيوني الغاشم على شعبنا في قطاع غزة. هؤلاء قالوا لنا بوضوح:"لا تقاتلوا..." ورددوا على أسماعنا ما قاله أسلاف أسيادهم اليهود لنبي الله موسى قبل آلاف السنين، لما تحتمت عليه مواجهة القوم الجبارين في الأرض المقدسة: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنـَّـا هـاهـنـا قـاعــدون..." ( سورة المائدة، 24).
قال هؤلاء بلا وجل ولا خجل "لا تقاوموا... ودعوا إسرائيل تنهي عملها"! قالها هؤلاء كما قالها أشباههم في نكبة 1948 ونكسة 1967 وملحمة 1973 ومجزرة 1982 وما تلاها من مذابح وما أكثرها (و آخرها قانا الثانية وغزة الألف!). البعض بررها ب"إسرائيل دولة تسعى لحماية مواطنيها"، آخرون قالوا "إسرائيل دولة عقل [علم] وفلسطين حفرة جهل [إسلام] فما الضير أن يمحق العقل الجهل؟" أما الآخرون فلزموا الصمت حتى تمر العاصفة. أناس يزايدون على دماء الأبرياء، يضحكون على الأشلاء، يقولون للضحية "اصمت!" وللجلاد "حسنا فعلت"، يبررون القتل بنظريات شاذة من قبيل "حماس أرادت أن يذهب شعبها إلى الجنة... وهاهي إسرائيل تحقق لهم ما يريدون" و "تلك الجثث ثمن عادل للإرهاب" وغيرها كثير. أناس كهؤلاء لا يمكن أن يكونوا إلا أبواقا من أبواق الطابور الخامس. لهذا السبب قررت تجاوز صمتي فكانت هذه المدونة!
أهلاً وسهلاً بك وأرجو أن تستمر بالتدوين حتى بعد أن تنتهي هذه الهجمة البربرية على غزة..
@islam_ayeh
ستواصل الريشة تحبير ما شاء الله من النصوص دفاعا عن إنسانية الإنسان ورغبة في الانعتاق من قوالب عصر السقوط والانحطاط ونضالا من أجل الحرية والعدالة... شكرا لدعمك ولمروك ومرحبا بمساهماتك...