القاضي (وهو يتراجع في كرسيّه وموجّها كلامه للمدّعي العام): هل مازال للإدّعاء ما يقوله؟
المدّعي العام: شكرا سيدي القاضي... إنّنا نطلب من حضرتكم بأن تأخذو الأمر بشدّة وحزم وأن تحكموا فيه بالعدل وتعيدوا للإلاه نيتشه هيبته ول
يربوعستان النيتشاوية سيادتها. والعدل هو أن تحكموا عليهم بالإعدام أمام العموم حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر.
القاضي (مقاطعا): سننظر في هذا الأمر في حينه. هل لديك ما تضيف قبل استدعاء الشهود.
المدّعي العام: لا يا سيّدي القاضي.
القاضي (آمرا الحاجب): نادي على الشاهد الأوّل.
الحاجب (وهو يصيح بأعلى صوته): فليدخل الشاهد الأوّل... نادر الأنونيم...
يخرج من بين الجمهور شاب في الثلاثين من عمره ويتقدّم إلى منصّة الشهود. فيما تهمس السيّدة الجالسة إلى الشمال للأخريات: "أليس هذا فرفر، قطّ الكرتون؟" ف
تردّا عليها بابتسامة عريضة.
القاضي للشاهد: إسمك وسنّك ووظيفتك؟
الشاهد: نادر الأنونيم، 31 سنة، خبير في بنك نيتشه للغباء.
القاضي للشاهد: قل "ونيتشه الأعظم وروحه القدس فرويد وخليلهما سارتر، لا أقول إلاّ الحق ولا شيء غير الحق".
نادر الأنونيم الشاهد (مردّدا بشكل ميكانيكي): ونيتشه الأعظم وروحه القدس فرويد وخليلهما سارتر، لا أقول إلاّ الحق ولا شيء غير الحق.
القاضي: ماذا لديك لتقوله في هذه القضيّة؟
نادر الأنونيم: سيّدي، إنّ هؤلاء جوقة كرّست عقليّة نبذ الآخر وجعلت أجواء بلدنا مشحونة وكالت لمواطنينا الأخيار ورموز دولتنا العظيمة التهم وهاجمتهم فجعلت بعضهم -وهم كثر- يملّون الكتابة والتعبير ويغادرونها. ومثّل ظهور هذه الجوقة وتصنيفاتها العقيمة نقطة سوداء في تاريخنا.
المدّعي العام (مقاطعا بحماس): هل سمعت سيدي القاضي؟ هل سمعت؟ إنّه يقول لك أن جماعة الماخور العظيم وطابور الإرهاب الكبير دفعت مواطنينا لمغادرة
يربوعستاننا السعيدة... وإن...
القاضي (غاضبا): لا تتكلّم بدون إذن!
المدّعي العام: عفوا سيّدي القاضي.
القاضي (متوجّها للشاهد): وكيف يهاجم المتّهمون مواطني
يربوعستان؟
نادر الأنونيم: سيدي، إنهم ير
وّجون الأكاذيب. لقد هاجموا فيلسوفنا العظيم أزواو سومنديل أوراغ العظيم وقالوا عنه غبيّ. تصوّر سيدي القاضي، لقد صنّفوه من ضمن الأغبياء كما صنّفوا الكثيرين من أبناء أمّتنا الرّشيدة.
القاضي: هل لازال لديك شيء مهمّ تريد قوله؟
نادر الأنونيم: سيدي إنّهم جوقة بلا وازع أخلاقي وتركهم يسرحون في الطبيعة ليس بالأمر الآمن.
القاضي (متوجّها للمدّعي العام): هل لديك أسئلة للشاهد.
المدّعي العام: لا يا سيدي، فقد قال كل ما نريد
كم أن تعرفوه.
القاضي للشاهد: بإمكانك الانصراف.
فغادر الشاهد المنصّة وسط هتافات الجمهور "ليسقط الخونة، ليسقط الأعداء، اُشنقوهم، أعدموهم". أشار القاضي للحاجب ليدخل الشاهد التالي، فصاح بصوته الجهوري: الشاهد الثاني، مطرقة بن فأس...
تح
رّك رجل من وسط الجمهور واعتلى منصّة الشهود بينما همست السيدة الجالسة إلى الشمال لزميلاتها "أليس هذا المطرقة هو نفس مطرقة قطط عبق التاريخ؟" فردّت عليها الآنسة هامسة: "الأسلوب يبدو مختلفا ولكن في النهاية كلّها مطارق!" فأضافت السيّدة الأخرى بسخريتها المعهودة: "ولكنّها مطارق لا تتحمّل العمل إلاّ مع سندان الغباء... فسندان العقل سريعا ما يكسرها!"
القاضي للشاهد: إسمك وسنّك ومهنتك؟
الشاهد (مرتبكا): مطرقة بن فأس، 27 سنة، المهنة نبّار درجة ثالث
ة.
القاضي للشاهد: قل "ونيتشه الأعظم وروحه القدس فرويد وخليلهما سارتر، لا أقول إلاّ الحق ولا شيء غير الحق".
مطرقة بن فأس الشاهد (مردّدا بسرعة): ونيتشه الأعظم وروحه القدس فرويد وخليلهما سارتر، لا أقول إلاّ الحق ولا شيء غير الحق.
القاضي: ماذا لديك لتقوله في هذه القضيّة؟
مطرقة الشاهد (بعد أن أخذ نفسا عميقا): سيدي، لديّ الكثير لأقوله.
القاضي (وهو يتطلّع بانتباه للشاهد): حسنا، أتحفنا بما لديك.
مطرقة الشاهد (وهو يستجمع شتات أفكاره وذكرياته): سيّدي القاضي، إنّ هذه الجماعة الصابئة تذكّرني بجماع
ات صابئة أخرى في بلد ليس بالبعيد. فمنذ سنوات خلت وقبل أن تنفجر الحرب الأهلية في الجزائر، تداولت هذه الجماعات نفس الخطاب الديماغوجي غير المتماسك والذي كان شعبويا بامتياز وتمكّنت بذلك من تعبئة قطاع هائل من الرأي العام الذي كان يتحسّس طريقه وسط الضباب.
القاضي (متسائلا): وما علاقة هذا الأمر بقضية الماخور العظيم؟
مطرقة الشاهد: مثل هذا الخطاب ساهم في تمزيق بلاد بأكملها وتفجير حرب أهلية فيها. وها نحن اليوم نقف على مجموعة تعيد تكرير وإخراج نفس هذا الخطاب وفي هذا خطر ماحق على يربوعستاننا الآمنة.
تنظر السيدة الساخرة إلى رفيقاتها وتهمس: "هلاّ أعرتماني نظارات طبية فيبدو أنّ نظاراتي لم تعد تنفع؟" فتجيبها الآنسة: "لماذا؟ هل فقدت المزيد من الدرجات فجأة؟!" فتردّ عليها: "نظاراتي لم تمكّناني من التحقّق هل هذا المطرقة غبيّ فعلا أم يتغابى؟" فتتناول السيّدة الأخرى يدها وتضغط عليها برفق قائلة: "لا عليك، يبدو أن نظاراتي لم تعد تنفع أيضا!".
القاضي: هل لديك ما تضيفه؟
مطرقة الشاهد: إنني أجد خطابهم غير لائق، غير أخلاقي وإجرامي. إنه خطاب من لا يعرف عمّا يتحدّث. خطاب من لا يعرف إلى أيّ مدى هي قاتلة تلك الأفكار التي يدعو إليها. سيدي القاضي، بربّك أوقف هذه الحماقات!
وعند آخر كلمة، يعلو صوت التصفيق في أرجاء القاعة متزامنا مع هتافات هستيرية "أعدموهم كي يرضى الرّب نيتشه... إن الرّب غاضب". يعود الشاهد إلى مكانه بينما يستغلّ المدّعي العام الفرصة للتعليق.
المدّعي العام: أترى سيدي القاضي إلى أيّ مدى يرفض الوعي الثوري لجماهير يربوعستان الحرّة مثل هذا الوباء الذي يتهدّد صحّة بلدنا واستقامة منهج أمّتنا؟ هاهي ذي الجماهير تطالب بتحقيق العدالة وإعدام أفراد هذه العصابة دفاعا عن حرّيتنا ومبادئنا الكونيّة. إنها شهادة بليغة وبرهان قاطع ودليل واضح على خطورة هذه العناصر المارقة والصابئة على منهج إلاهنا نيتشه العظيم ومعلّمينا الأبرار...
القاضي (مقاطعا): هل لازال لدى الإدّعاء مزيد من الشهود؟
المدّعي العام (بحماس فيّاض): نعم يا سيدي، لازال لدينا الكثير...
الكثير من الشهود!

كتبت هذا النص: تانيت، عبق التاريخ في الأربعاء، أفريل 22، 2009

1 Responses to الطراطير وفنّ التطبير - الحلقة الثانية

  1. faouzi يقول:
  2. الاخوات القائمات على هذه المدونة السلام عليكم

    اشد على ايديكن مرة اخرى، ولتواصلن مجهوداتكن التي اقلقت العديد كما يبدو، وهذا دليل على ان الساحة فيها كثير من ممثلي الطابور الخامس

    فسحقا لهؤلاء، وتبا لهم، ولتكن هذه المدونة ومشاركات المدونين فضحا لهم

     

الحرب الإفتراضية على الإسلاموفوبيا

وكالة أنباء الحرافيش


حرب الحرافيش على شهر رمضان المعظّم: حرفوش برلين الملقّب ب"الفنان" يشوّه مقالا مسروقا ليدعم ما يقول عنه أنّ "فريضة الصيام تزيد في ارتكاب الجرائم لدى المسلمين" | محبوبة غايت: الحرفوش الجنّي يعلن النصر من طرف واحد على من وصفهم بالأطراف الظلامية وأعداء الحياة | جبهة الإعتلال: إختلاق أخبار تقول بإمكانية العودة إلى نظام تعدد الزوجات في بلد الياسمين | حملة الحرافيش على الحجاب: الحرفوش الغبيّ ينشر رسالة منقولة عن أحد رموز الصف الثاني للطابور الخامس تحذّر من انتشار الحجاب على الشواطىء ويطالب بمنع ما وصفته الرسالة بزيّ البؤس والحزن والموت ورمز الفراغ والقبح والتوحّش | مواقف الحرافيش: الحرفوش الفيّاش يصدر بيانا يدين فيه من أسماهم بجماعة "عمّار الأخضر" ويطالبهم بالإعتراف ببطولاته وأمجاده في الدفاع عمّا وصفه بحرّية التعبير ويذكر أنّ هذا البيان قد لاقى صدى واسعا لدى الحرافيش وجبهة الإعتلال حيث أعلن عدد كبير منهم دعمهم لما جاء في البيان ولحرّية الفيّاش الفكرية | إعلانات متفرّقة - شراء: أعلن الحرفوش الهالك عن صدور كتاب له ودعى كل المدوّنين إلى شرائه عبر النت | إعلانات متفرّقة - كراء: أعلن حرفوش برلين عن بتّة عموميّة لكراء عقار على ملكه كان يستغلّه كمصبّ للفضلات | شؤون المرأة: أصدر الحرفوش الغبيّ بيانا موقّع من طرف جماعة غير معروفة يعلن فيه كفره وتمرّده على ما أسماه ب"دولة الذكور" | أدب الحرافيش: حرفوش التراث يصدر معلّقة بذيئة في هجاء "مدوّني البترودولار"

مدوّنتنا على الفايسبوك

زوّارنا