صادف أن استدعى زوجي صديقا له فرنسيّ الجنسيّة في أحد أيام شهر رمضان الفارط ليشاركنا طعام الإفطار. هذا الرجل باريسيّ في الثلاثين من عمره أو يزيد قليلا وكاثولكيّا أبا عن جد. ولمّا جلسنا حول المائدة، خاطبني ابني ذي السنوات الثلاث بالعربية. فسألني صديق زوجي الفرنسيّ بلطف عمّا قاله لي ابني لأنّه لم يفهمه. قلت له "لقد طلب منّي باللغة العربية بعض العصير". فردّ مستغربا: "ولماذا لا يتكلّم لغة هذا البلد؟". استفزّني سؤاله فسألته "بأي لغة تتحدّث مع أهلك في المنزل؟". فقال ببعض الحرج "الفرنسيّة...". لم أردّ عليه لكي لا أحرجه أكثر خصوصا وهو ضيفنا. لكنّني تأكدّت أنه فهم الغاية من سؤالي. تذكرت ذلك وأنا أشاهد جانبا من تصريح رئيس الوزراء الفرنسي عند زيارته لتونس مؤخرا. لقد طلب بشكل مباشر تدعيم استعمال اللغة الفرنسيّة وتعميمها حتى على التلفزيون التونسي. لقد آلمتني ضحكته الصفراء وهو يطلب ذلك خصوصا وأنا أرى الكثيرين يتهافتون على استعمال اللغة الفرنسيّة بموجب وبدون موجب في الإعلام وفي غير الإعلام. منذ سنوات خلت كان ممنوعا منعا باتا استعمال اللّغات الأجنبية في الإعلام الرّسمي وكان المنشّطون يذكّرون الضيوف بهذه القاعدة كلّما حاول أحدهم تمرير بعض العبارات الفرنسية. ولكن لا أعلم من الذي أمر بالتخلّي عن هذه القاعدة حيث أرى أنّ كل المنشّطين حتى أولائك الذين يتقنون العربية يستعملون كلمات من لغات أجنبية.
سيقول البعض أنّ تعلّم لغات الآخرين يسهّل التواصل وأنّ برامج التعليم تدرّس أصلا بلغات أجنبية كما أنّ اللغة العربية غير صالحة كلغة للعلم. كل هذه الأعذار مجتمعة كانت أو منفردة أقبح من ذنب التخلّي عن واحدة من أهمّ مقوّمات الهويّة التونسية ألا وهي اللغة العربية التي يتكلّمها التونسيون أبا عن جد (في صيغتها العاميّة) وكتب بها الشابي شعره والحدّاد مؤلّفاته وألقى بها حشّاد خطبه. لقد كانت العربية لغة العلم لما يزيد عن ألف عام. ولمّا سقطت الأندلس أمر ملك إسبانيا فرديناند بترجمة كل الكتب العربية في مكتبات غرناطة وقرطبة وغيرها إلى اللاتينية ومن ثمّ حرق الأصل. ولم يصلنا من مخطوطات الأندلس غير القليل القليل. ثم إنّ كل القوى الإستعمارية تاريخيا فرضت لغتها وعاداتها وتقاليدها ومنها فرنسا. وهاهي اليوم تريد تحقيق ذلك عبر القنوات الديبلوماسية وما خفي كان أعظم. اليوم لقد ولّى زمن الإستعمار المباشر وحلّ زمن الإستعمار غير المباشر، عبر الثقافة واللغة والعادات وغيرها. ما أراه اليوم من تقديس لثقافة الغرب بغثّها وسمينها وتهافت على طريقة حياته المادية الإستهلاكية وعلى لغته وموروثه يؤكد مقولة المفكر الجزائري مالك بن نبي في قابلية الشعوب -ومنها الشعب التونسي- للإستعمار. أقول ذلك بكل أسف وإحباط ومرارة.
إنّني من أشرس وأشدّ المدافعين على فكرة استيراد علوم الغرب وتقنياته وكل ماهو جيّد من أفكاره ومقوّمات حضارته وتطويره والاستفادة منه. لكنّني بالمقابل أكثر شراسة وشدّة ضدّ كل من يحاول إذابة هويتنا واستيراد هوية جديدة لنا. لابد من التفريق تفريقا كاملا بين التحديث من الداخل والتحديث من الخارج. هذا موضوع شائك جدا ولا تسمح تدوينة واحدة بالحديث فيه. وإن كتبت هذه التدوينة فلأنّ السيد الوزير قد استفزّني بشدّة. تجدون في التسجيل الآتي تصريح فرانسوا فيّون حيث يقول حرفيّا (ما بين الدقيقة الثانية و 53 ثانية والدقيقة الثالثة و11 ثانية) ما يلي:
سيقول البعض أنّ تعلّم لغات الآخرين يسهّل التواصل وأنّ برامج التعليم تدرّس أصلا بلغات أجنبية كما أنّ اللغة العربية غير صالحة كلغة للعلم. كل هذه الأعذار مجتمعة كانت أو منفردة أقبح من ذنب التخلّي عن واحدة من أهمّ مقوّمات الهويّة التونسية ألا وهي اللغة العربية التي يتكلّمها التونسيون أبا عن جد (في صيغتها العاميّة) وكتب بها الشابي شعره والحدّاد مؤلّفاته وألقى بها حشّاد خطبه. لقد كانت العربية لغة العلم لما يزيد عن ألف عام. ولمّا سقطت الأندلس أمر ملك إسبانيا فرديناند بترجمة كل الكتب العربية في مكتبات غرناطة وقرطبة وغيرها إلى اللاتينية ومن ثمّ حرق الأصل. ولم يصلنا من مخطوطات الأندلس غير القليل القليل. ثم إنّ كل القوى الإستعمارية تاريخيا فرضت لغتها وعاداتها وتقاليدها ومنها فرنسا. وهاهي اليوم تريد تحقيق ذلك عبر القنوات الديبلوماسية وما خفي كان أعظم. اليوم لقد ولّى زمن الإستعمار المباشر وحلّ زمن الإستعمار غير المباشر، عبر الثقافة واللغة والعادات وغيرها. ما أراه اليوم من تقديس لثقافة الغرب بغثّها وسمينها وتهافت على طريقة حياته المادية الإستهلاكية وعلى لغته وموروثه يؤكد مقولة المفكر الجزائري مالك بن نبي في قابلية الشعوب -ومنها الشعب التونسي- للإستعمار. أقول ذلك بكل أسف وإحباط ومرارة.
إنّني من أشرس وأشدّ المدافعين على فكرة استيراد علوم الغرب وتقنياته وكل ماهو جيّد من أفكاره ومقوّمات حضارته وتطويره والاستفادة منه. لكنّني بالمقابل أكثر شراسة وشدّة ضدّ كل من يحاول إذابة هويتنا واستيراد هوية جديدة لنا. لابد من التفريق تفريقا كاملا بين التحديث من الداخل والتحديث من الخارج. هذا موضوع شائك جدا ولا تسمح تدوينة واحدة بالحديث فيه. وإن كتبت هذه التدوينة فلأنّ السيد الوزير قد استفزّني بشدّة. تجدون في التسجيل الآتي تصريح فرانسوا فيّون حيث يقول حرفيّا (ما بين الدقيقة الثانية و 53 ثانية والدقيقة الثالثة و11 ثانية) ما يلي:
(...) La langue française est évidemment une des raisons principales des relations exceptionnelles entre la France et la Tunisie. Il faut donc entretenir Monsieur le Premier Ministre, cette langue française partout y compris sur les télévisions, ... sur les écrans de la télévision tunisienne.
أردت أن أسأل السيد فيّون أو أيّ مسؤول تابع للحكومة الفرنسية قد يمرّ من هنا أن يفسّر لي السبب الذي جعل جاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق وكل وزراءه الحاضرين في اجتماع للإتحاد الأوروبي (وما أدراك ما الإتحاد الأوروبي) ينسحبون احتجاجا على استعمال أحد أفراد البعثة الفرنسيّة للإنقليزية عوض الفرنسيّة عند إلقائه لكلمته؟
سيّد فرانسوا فيّون، هل دمكم دم ودمنا ماء؟ هل لغتكم حكمة ولغتنا هراء؟ هل تاريخكم أمجاد وتاريخنا هباء؟ هل وعيكم ذكاء ووعينا غباء؟ بصدق سيّدي، هنيئا لنا التخاذل وهنيئا لكم الدّهاء!
لا ألوم ديبلوماسيّة دولة بنيت على جماجم فقراء إفريقيا وترعرعت وكبرت على مصّ دماء شعوب مستعمراتها السابقة واللاحقة فماهي إلاّ قوّة تحنّ إلى ماضيها الإستعماري القبيح. ولكن اللّوم يقع على من يطبّل ويزمّر ويسبّح بحمد ديمقراطيّة بلا أخلاق وفلسفة تنوير وعدل ومساواة لم تغادر صفحات الكتب وحضارة لم تفرض نفسها سوى بقوّة أساطيلها. والسؤال كيف السبيل إلى إصلاح بعض ممّا فسد؟
إنّني أتوجّه إلى من يهمّه الأمر بما يلي من الإقتراحات:
سيّد فرانسوا فيّون، هل دمكم دم ودمنا ماء؟ هل لغتكم حكمة ولغتنا هراء؟ هل تاريخكم أمجاد وتاريخنا هباء؟ هل وعيكم ذكاء ووعينا غباء؟ بصدق سيّدي، هنيئا لنا التخاذل وهنيئا لكم الدّهاء!
لا ألوم ديبلوماسيّة دولة بنيت على جماجم فقراء إفريقيا وترعرعت وكبرت على مصّ دماء شعوب مستعمراتها السابقة واللاحقة فماهي إلاّ قوّة تحنّ إلى ماضيها الإستعماري القبيح. ولكن اللّوم يقع على من يطبّل ويزمّر ويسبّح بحمد ديمقراطيّة بلا أخلاق وفلسفة تنوير وعدل ومساواة لم تغادر صفحات الكتب وحضارة لم تفرض نفسها سوى بقوّة أساطيلها. والسؤال كيف السبيل إلى إصلاح بعض ممّا فسد؟
إنّني أتوجّه إلى من يهمّه الأمر بما يلي من الإقتراحات:
- منع استعمال اللّغات الأجنبية في الإعلام الرسمي إلاّ عند الضرورة القصوى.
- تطوير وتعميم وإجباريّة تدريس اللغة العربية في المدارس والمعاهد التونسية بما يتماشى مع أهداف ومقاصد المنظومة التعليمية وطبيعة الشعب والإختصاصات موضوع التكوين.
- بعث أكاديمية وطنية للآداب والعلوم الإنسانية والفلسفة تكون إحدى مهمّاتها العاجلة العمل على نقل كل ما كتبه ودرسه وألّفه الغرب والشرق قديما وحديثا وترجمته وأرشفته وإتاحته لكل المواطنين والمتعلّمين بأسعار رمزية عبر أرشيف افتراضي وطني مفتوح للجميع.
- بعث أكاديمية وطنية للعلوم الصحيحة وأخرى للعلوم التطبيقية والهندسة وعلوم الحياة والكون يكون أحد مهماتها الرئيسيّة نقل كل العلوم والتقنيات الغربية والشرقية وترجمتها وأرشفتها وإتاحتها لكل المواطنين والمتعلّمين بأسعار رمزية عبر شبكة وطنية مفتوحة للجميع.
- إحداث مكتبة وطنية افتراضية.
- سهر كل البعثات الديبلوماسية والقنصلية التونسية على متابعة ونقل كل ما يمكن نقله من علوم وآداب الشعوب الأخرى.
- إحداث خلايا يقظة لمتابعة المؤتمرات العلمية في كل المجالات (وهنا ألاحظ ما يلي: شاركت منذ مدّة في فعاليّات مؤتمر علمي يهتمّ بمجال حيوي وحسّاس ولم أجد مشاركا واحدا من جامعات عربية أو إسلامية بينما وجدت مشاركين من دول لا أعرف أين توجد على الخريطة. كان لي شرف لقاء بعض التونسيين الذين يعملون في هذا المجال لصالح دول أجنبية كثيرة وآلمني ألاّ يشارك تونسي واحد باسم تونس!).
- بعث مؤسّسة وطنية للترجمة والتعريب تكون مهمّتها الرئيسيّة تعريب أنظمة ومناهج التعليم كليّة والسهر على ملاءمة اللغة العربية لروح وتطوّرات العصر.
- التخلّي نهائيّا على اللغة الفرنسية كلغة ثانية وتعويضها باللغة الإنقليزية.
- تأهيل الجامعات ونظم التعليم وتحديث المناهج بعد دراسة عميقة تأخذ ما يكفي من الوقت على يد لجان مؤهّلة ومختصّة.
- استقطاب الكفاءات التونسية العاملة بالخارج وكذلك كلّ الكفاءات المغاربيّة والعربيّة القادرة على تقديم الإضافة وغير المتوفرة محلّيا.
- تخصيص ما لا يقل عن 7 في المائة من ميزانية الدولة لصالح البحث العلمي وخصوصا في القطاعات ذات الأولوية (كالطاقة، الفلاحة، تقنيات الإتصال، ...).
- بعث مراكز نقل للتكنولوجيا بين الجامعات والقطاع الصناعي يشرف عليها صناعيون وجامعيون أكفّاء.
- إحداث قناة وطنية ناطقة بالعربية للعلم والمعرفة وتطوير ثقافة وتقنيات التكوين عن بعد.
- تكوين المهارات والخبرات حسب طلب سوق الشغل وتقوية شروط النجاح والتأهيل.
- وقبل كل شيء توسيع طاقة استيعاب الشبكات الوطنية للإتصالات بما فيها الإنترنيت وإعدام رمزي للمسمّى "عمّار" في حفل مهيب يقام في شارع الحبيب بورقيبة وينقل على كل القنوات مباشرة للقطع نهائيا مع سياسة الحجب والمقص والرقابة.
الفرنسيون يخشون إندثار الفرنكوفونية في إفريقيا، و خاصة شمال إفريقيا.
الكتب العلمية أغلبها بالفرنسية و الإنقليزية. ترجمتها ليست سهلة، و مكلفة في نفس الوقت. أنا مع مواصلة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، مع تدعيم اللغة الإنقليزية.
ربما فرنسوا فيون يتحدث على بعث قناة فرنسية في تونس؟ إن كان ذلك غرضه فعليه تمويله. قناة فرانس 24 تبث برامج باللغة العربية. الإعلام الرسمي يجب أن يبقى باللغة العربية الفصحى، هذا أمر طبيعي.
المشكل أنه في المدارس التونسية لا يقع تدريس اللغات بشكل محكم، بما فيها اللغة العربية.
فاللبنانيون مثلا، يتكلمون اللغة العربية الفصحى و اللغة الفرنسية، و اللغة الإنقليزية بشكل محكم. لكن تدريس المواد العلمية في لبنان يتم باللغات الأجنبية. و صحافة لبنان أغلبيتها بالعربية، و كتابات اللبنانيين أغبلهم بالعربية. و لبنان فيها أبرز الصحافيين و المثقفين العرب.
تونس لها العديد من العلاقات مع فرنسا. أغلبية الطلبة المهاجرين هم في فرنسا، و العمال المهاجرين كذلك. لذلك إستبدال الفرنسية بالإنقليزية سيأثر على هذه العلاقات. و لن يجلب لنا مزيد من الإهتمام البريطاني و الأمريكي.
مازال في امخاخ الفرنسيس ان شمال إفريقيا هو ولاية فرنسية و لازم ديما عندهم حضور فيه...
و انا معك في حكاية جعل اللغة الإنڤليزية هي اللغة الثانية بدل الفرنسية، لعدة اسباب، منها المكانة التي تحضى بها اللغة الإنڤليزية في العالم و هذا معروف... و كذلك ستكون هدة البادرة رسالة لذلك الوزير و اشباهه..
ملاحظة اخيرة و هي تحية لك على كتابتك : "لإستعمار غــيــر المباشر"، حيث، و بدون مبالغة، غلْبو عليا البعض بكتابتهم "الغير كذا.."
@أخ سفيان:
>>> "الكتب العلمية أغلبها بالفرنسية و الإنقليزية. ترجمتها ليست سهلة، و مكلفة في نفس الوقت. أنا مع مواصلة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، مع تدعيم اللغة الإنقليزية."
بالنسبة للترجمة فإنني أقصد جهدا يحتاج إلى عقدين أو ثلاث. لن يكون سهلا تغيير الأمور بسرعة. بالنسبة للفرنسية فقد أضحت لغة ثانوية ومتكلموها يتناقصون. اللغة الإنقليزية هي لغة العلم والتجارة والديبلوماسية الآن ولا مهرب منها. ستكون بديلا جيدا ومفيدا للغة البرجوازية الإقطاعية.
>>> "ربما فرنسوا فيون يتحدث على بعث قناة فرنسية في تونس؟ إن كان ذلك غرضه فعليه تمويله. قناة فرانس 24 تبث برامج باللغة العربية. الإعلام الرسمي يجب أن يبقى باللغة العربية الفصحى، هذا أمر طبيعي."
لسنا في حاجة لقنوات تتكلم بالفرنسية. نحن في حاجة لقنوات تتكلم بالعربية، قنوات تعكس طموحات الشعب ومستواه.
>> "المشكل أنه في المدارس التونسية لا يقع تدريس اللغات بشكل محكم، بما فيها اللغة العربية."
الأسباب كثيرة وعويصة. وليس مستوى تدريس اللغات فقط يتراجع. فالمواد العلمية لها نصيبها هي الأخرى للأسف!
>>> "تونس لها العديد من العلاقات مع فرنسا. أغلبية الطلبة المهاجرين هم في فرنسا، و العمال المهاجرين كذلك. لذلك إستبدال الفرنسية بالإنقليزية سيأثر على هذه العلاقات."
من يريد بناء بلد متقدم ومستقل يجب أن يعتمد على نفسه مائة بالمائة. أبسط مثال على ذلك ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. نحن لسنا في حاجة للفرنسيين ولا لغيرهم لنتقدم. نحن في حاجة للإرادة والعلم والعمل. انتهى!
>>> "و لن يجلب لنا مزيد من الإهتمام البريطاني و الأمريكي."
ولسنا في حاجة لهؤلاء أيضا. فكلها قوى استعمارية لا تهمها سوى مصالحها.
@أخ ميتاليستيك:
مرحبا بك وشكرا على التعليق.
>>> "مازال في امخاخ الفرنسيس ان شمال إفريقيا هو ولاية فرنسية و لازم ديما عندهم حضور فيه..."
ذاك هو فعلا ما يجب أن نحاربه ونثبت أنّه مجرّد سراب. وأننا لسنا بتابعين لأحد.
>>> "و انا معك في حكاية جعل اللغة الإنڤليزية هي اللغة الثانية بدل الفرنسية"
أعتقد أن هذا الأمر شبه حتمي لأسباب كثيرة.
>>> "الإستعمار غير المباشر"
للأسف الإستعمار غير المباشر حقيقة واقعة. يكفي أن تعلم بأنك تأكل من وراء البحار لتتأكد من ذلك!
@أخ مطرقة:
مرحبا وشكرا على التعليق.
أحترم رأيك وأفضل الاحتفاظ بالردّ لنفسي. شكرا.
"... ستكون بديلا جيدا ومفيدا للغة البرجوازية الإقطاعية ..."
أه في هاذي عندك حق. البورجوازية الفرنكفونية متاعنا كثّرتلها بصراحة.
Publié dans l'hebdomadaire Almaqif du 23 avril 2009
اللغة الوطنية ومستوى التعليم
يحتاج التعليم إلى وسائل بيداغوجية متعدّدة لتمكين المتعلّم من المعلومات التي عليه استيعابها في درس ما. هناك وسائل مادّية للمحاكاة أو التجربة وهناك الإشارة بالأيدي وهناك تعابير الوجه وهناك لغة التعبير والتفسير، وهذه الأخيرة هي أهم وسيلة للتدريس ويمكنها أن تُغني عن الوسائل الأخرى في بعض الأحيان حيث أننا نجد دروسا تُعطى بالراديو أو الكاسات مما يمكّن الكبار من التعلّم مدى الحياة وممّا يمكّن تلاميذ الباكالوريا من المراجعة حاليا بالاستماع إلى بعض الإذاعات الوطنية.
كل خبراء العالم متفقون على أن التمكّن من لغة ما يسهّل متابعة الدروس التي تُعطى بتلك اللغة، لكن هناك نظرية تونسية تتّبعها الحكومة تعتبر أن التدريس بلغة أجنبية أجدى من الناحية البيداغوجية، وهذا غريب، لأن كل الدلائل المنطقية والعقلانية وتقاليد الدول التي تدير تعليما أرقى من تعليمنا من ناحية الجودة تفيد العكس. فالأستاذ التونسي غير قادر على التعبير بطلاقة بهذه اللغة الأجنبية والتلميذ التونسي غير قادر على فهمها بسهولة.
أساتذة العلوم والتقنيات – سواء في الثانوي أو العالي – يدرّسون باللسان الدارج التونسي ولا يستعملون من هذه اللغة الأجنبية إلا المفردات التقنية، وعندما يكتبون يخطئون في الرسم والنحو إلى درجة جعلت التلاميذ يتندّرون بأخطاء أساتذتهم. أما الوزارة فهي تغض الطرف وتعتبرهم نظريا يدرّسون باللغة الأجنبية، رغم أن نتائج هذه الحالة سيئة للغاية من الناحية البيداغوجية، لأن التلاميذ ينجحون في الامتحان دون أن يكونوا فاهمين ما يكتبون لأنهم لا يفهمون اللغة ويعجزون عن التعبير ليس فقط باللغة الأجنبية بل أيضا باللغة العربية لأن اللغة السليمة ضرورية لتقديم البراهين الرياضية وللتعبير عن الأفكار بطريقة منطقية، فهم يفتقدون التعبير المنطقي وغير قادرين على تكوين جُمل مفيدة بأي لغة كانت فما بالك بجمل جميلة.
الطلبة والتلاميذ عند سماعهم أساتذتهم يتكلّمون بلغة هجينة يقلّدونهم فيصبحون غير قادرين على التعبير عن أفكارهم وأحاسيسهم بأي لغة.
لقد أصبح الطلبة – وبالتالي المواطنون بصفة عامة – غير قادرين على مطالعة الكتب العلمية والتقنية خاصة لأنهم غير مسيطرين على اللغة الأجنبية التي يقرؤونها بالتهجئة ولا يفهمون أغلب تعابيرها وبالتالي يملّون من القراءة ابتداء من الصفحة الثانية، وغير قادرين على المطالعة باللغة العربية لأنها في تونس أصبحت لا تصلح بتاتا في تعليم العلوم ولأنهم لن يفهموا أي نص علمي بالعربية لأنهم يجهلون تماما المفردات التقنية بلغتهم الوطنية. والذي لا يطالع باستمرار يصبح جاهلا.
أظنّ – ولست متيقّنا – أن الحكومة تعتقد أن تدريس العلوم باللغة الأجنبية التي لا يسيطر عليها التونسيون سوف يرفع من مستوى تعليمنا حتى وإن لم يفهم الطلبة ما يدرسون وحتى وإن لم يستطع الأساتذة التعبير عمّا يدرّسون. ربما تعتقد ذلك لأن فرنسا دولة متقدّمة والدول العربية لا تملك جامعات ذات مستوى مرموق.
إن هذه الأفكار تخالف الصواب والواقع في العالم، لأن أسباب التخلف في العالم العربي هي تاريخية عميقة وليست وليدة اليوم، فمنذ وقت غير بعيد كانت فرنسا تحتلّ ثمانية دول عربية على واحدة وعشرين، المشكلة ليست هناك.
علينا إلقاء نظرة على الدول التي استطاعت أن تبني تعليما عال راق بينما كانت متخلفة قبل نصف قرن. لننظر إلى ترتيب الجامعات في العالم من حيث جودة تعليمها ونتائج بحثها وعدد المتخرّجين منها ونوعية الأساتذة الذين يدرّسون بها وننظر إلى ترتيبنا وترتيبهم.
هناك عدّة طرق لترتيب الجامعات في العالم وقد فجّرت جامعة شنغهاي قنبلة عندما قامت سنة 2004 بترتيب الجامعات العالمية الخمسمائة الأولى، إذ وجدت بعض الجامعات نفسها بعيدة عن الصفوف الأمامية. ثم ظهرت بعد ذلك عدة طرق لتصنيف الجامعات مثل تصنيف تايمز وتصنيف فورتشن وغيرها ولكن أغلبها يتشابه عدا تقديم جامعة أو تأخيرها بعشرة مراتب. الشيء المؤسف أن كل القائمات لا تشمل أي جامعة عربية، وكلها تضع الجامعات الأنكلوسكسونية في صدارة الترتيب لما لها من نتائج علمية ولما تحصّل عليه باحثوها من جوائز عالمية ولما تخرّج منها من طلبة تحصلوا فيما بعد على جوائز عالمية، ثم تأتي بعدها الجامعات اليابانية بست وثلاثين جامعة بين الخمسمائة الأوائل وكذلك عدة بلدان أوروبية، أما خارج أوروبا وشمال أمريكا وأستراليا واليابان فإننا نجد الصين وتايوان بواحد وعشرين جامعة بينهما وكوريا الجنوبية بثمان جامعات والبرازيل بثلاثة وإسرائيل بثلاثة.
ودون سردها كلها أودّ أن ألفت الانتباه إلى ملاحظات ثلاث تخص دور اللغة في كل هذا، أولها نجد في أوروبا جامعتين يونانيتين مصنفتين بين الخمسمائة الأوائل مع العلم أنهما تستعملان اليونانية لتدريس العلوم وهي لغة لا يتكلّمها أكثر من إحدى عشر مليون نسمة وتُترجم إليها سنويا ما يعادل ما يُترجم إلى العربية التي يتكلّمها ثلاث مائة مليون، الملاحظة الثانية هي أن كل هذه الدول تستعمل لغتها الوطنية رغم أن لغات الصين واليابان وكوريا تكتب برموز للكلمات ولا تملك حروفا وهذا لم يعطّلها عن الترجمة واستنباط المفردات التقنية لتسهيل الأمور لطلبتها من الناحية البيداغوجية، الملاحظة الثالثة هي أن إسرائيل تستعمل الإنكليزية في جامعتين من الثلاثة لكن الجامعة التي ترتّبها كل التصنيفات بين المائة الأولى هي التي تدرّس باللغة العبرية وهي لغة ميتة وقع إحياؤها لتقوية الحس القومي لدى اليهود لحثّهم على تكوين شخصية قومية توحّدهم ضد العرب.
وبعيدا عن الجامعات الأولى التي تمنّى الوزير الأول التونسي أخيرا بمناسبة خمسينية الجامعة التونسية أن تدخل بينها إحدى جامعاتنا هناك بلدان صغيرة لا تملك ما نملك من تراث وليس لها العمق التاريخي الذي تملكه لغتنا ولا يعرف لغتها غير أهلها وليست كاللغة العربية التي هي من بين أكثر اللغات انتشارا في العالم وهذه البلدان – وأذكر منها سلوفاكيا ذات الأربع ملايين ساكن – تستعمل لغتها الوطنية لتدريس العلوم، ولكونها لا تملك القدرة على تأليف الكتب العلمية بعدد من العناوين يكفي لطلبتها فهي تترجم كل الكتب العلمية الهامة إلى لغتها وتمكّن طلبتها من الاطلاع على أهم ما يصدر من الكتب العلمية في العالم واستعمالها في دراستهم.
أتمنى أن يقرأ أعضاء الحكومة هذه المعلومات ليفهموا لماذا يشتكي كل الناس من تدنّي مستوى التعليم في بلادنا.
د. أحمد بوعزّي